لكنَّا وجدنا المحدِّثين يصحِّحون هذه الأحاديث، ولو بعد مرور هذه السَّنة العاشرة بعد المائة! حيث رواه التَّابعون وأتباعهم في كُتبِهم، مع مخالفته القطعيَّة للواقعِ كما يدَّعيه المعترضونَ! بل أخرجها البخاريُّ ومسلم في «صحيحيهما»، وقد مَرَّ على ظهورِ كذبِه للأعمى -حسب دعواكم- أكثر مِن مائة وأربعين سنةً!
فلن يبقى لنا في الحكمِ على هؤلاء المُحدِّثين حسب دعواكم إلَّا القول بأحدِ احتمالين:
إمَّا مجانين كلُّهم! يصحِّحون ما يظهر كذبه لأغبى الخليقةِ، ثمَّ يلحقهم في هذا الجنونِ عوَّام المسلمين، حيث أقرُّوا علماءهم على تلك الغباوة المفرطة، وأخذوا عنهم هذه الأخبار.
وإمَّا أنَّهم لم يجدوا في هذه الأخبار ما يُخالف الواقعَ بحالٍ، فلذلك قبلوها.
إنَّ ظنِّي بالمُعترض أنَّه مهما خالفَ البخاريَّ ومسلمًا وأئمَّة الدِّين في منهج النَّقدِ للرِّوايات، فإنَّه لن يبلُغَ به الشَّطَط في الخصومةِ أن يعتقد فيهم الجنونَ والتَّغابي إلى هذه الدَّرجةِ من البَله.
فعليه -إذن- أن يُقرِّر أنَّ لهؤلاء تفسيرًا للحديث يدفع ما قد يظنُّه معارضةً مِن الخبر للشَّرع والواقعِ، ولينظر في تفسيرِهم ذلك للحديثِ، ثمَّ لينقُده بعدُ إذا شاء أن ينقد، لكن لا يحِقُّ له أن يَتوهَّم في مَن صَحَّح الحديث مِن سادات الأمِّةِ أنَّهم كانوا في غفلةٍ عمَّا يستشكله أمثالُ المُعتِرض من الحديث.
فإذا رجعنا إلى «الصَّحيحين» نفسيهما، في الَمواطن الَّتي أخرج فيها الشَّيخان حديث أنس رضي الله عنه:«إنْ أُخِّر هذا، فلن يدركه الهَرم حتَّى تقوم السَّاعة»، نجِدُهما قد أخرجا بإزاءِه الحديثَ المفسِّر لِما قد يُشكِل مِن فهمِه، وهو:
حديث عائشة رضي الله عنها، وبه خَتمتُ أحاديث هذا الباب فيما مَرَّ، ليكون كاشفًا لِما مَضى قبلَه مِن أحاديث قد تكون مجملةً، حيث جاء في آخره قولُ النَّبي صلى الله عليه وسلم:«إنْ يَعِش هذا، لا يُدركه الهَرَم حتَّى تقوم عليكم ساعتُكم»، قال هشام: يعني موتَهم».