جاء في روايةٍ مجملةٍ بلفظٍ:«السَّاعة» مُطلقةً دون إضافة، بيَّنته رواية أخرى بإضافتها إلى ساعةِ ذلك القَرنِ المُخاطَبِ:«تقوم عليكم ساعتُكم».
يقول النَّووي:«هذه الأحاديث قد فَسَّر بعضُها بعضًا، وفيها عَلَم من أعلام النُّبوة، والمُراد أنَّ كلَّ نفسٍ منفوسةٍ كانت تلك اللَّيلة على الأرض لا تعيش بعدها أكثر مِن مائة سنة، سواء قلَّ أمرُها قبل ذلك أم لا، وليس فيه نفيُ عيشِ أحدٍ يوجد بعد تلك اللَّيلة فوق مائة سَنة»(١).
العجيب في هذا: أنَّ ذاك المعنى الخاطئ الَّذي توَهَّمه المُحْدَثون من الحديث، فظنُّوه اكتشافًا حصريًّا لهم، قد وَقَع مثله قديمًا زمنَ المقالةِ النَّبوية نفسِها! فقد جاء في كلامِ ابن عمر رضي الله عنه:« .. فوَهَل النَّاس -أي غلِطوا- في مقالةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك، فيما يتَحَدَّثون مِن هذه الأحاديثِ عن مائةِ سَنة».
فعلماء الصَّحابة والتَّابعين قد نَبَّهوا على خطأِ هذا الفهمِ، وليس هو مَعنًى تأوَّله أهل السُّنةِ حَديثًا وتَعسَّفوا في تفسيرِ الحديث به، تفاديًا لتخطئةِ المُحدِّثين كما يزعمه المُبطِلون.
فإن قال قائل: إن كان الأمرُ كما قرَّر مَن ذكرتَ مِن أهل العلم، فلماذا أجابَ النَّبي صلى الله عليه وسلم بأنْ أشار إلى عُمْرِ الغُلامِ، أو انخرامِ القرن، ولم يكتفِ بنفِي علمِه بالسَّاعةِ رأسًا؟
فجواب ذلك:
أنَّ الأعرابَ مِن جفائهم كانوا يَسألون النَّبي صلى الله عليه وسلم عن مَوعدِ السَّاعة، ومع أنَّ الجواب قد حُسِم في القرآن، إلَّا أنَّه صلى الله عليه وسلم لم يحِبَّ أن يرُدَّ جفاءَهم ذاك كلَّ مَرةٍ بجفاءٍ منه، فأرادَ أن يُلفِت انتباهَهم بأسلوبِ الحكيمِ، إلى كون السُّؤال عن وقتِ السَّاعة -فضلًا عن جهلِ المَسئولِ به- لن يَنفعهم في شيء، إنَّما ينفع المرءَ عملُه ومحاسبةُ نفسِه عليه، كما قال للأعرابي:«وما أعددتَ لها؟!».