للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا الفريق الثَّاني مِمَّنْ تابَعَ مُسلمًا في تصحيحِ الحديث:

فكانت أغلبُ أجوبتِهم عن المُعارضاتِ السَّابقةِ مُنحصرةً في الإجابة عن العِلَّة الأساسةِ الأولى، أعني بها: «مخالفةَ الحديثِ لعَددِ أيَّام الخَلْقِ السِّتة المَذكورة في القرآن»، وهي إجابةٌ منهم تمثِّل في ذاتها توجيهًا لمَفهومِ الحديث، يخلُص النَّاظرُ فيها إلى أنَّهم: يجعلون بَدْءَ الخلقِ يومَ السَّبت، وخَتْمَه يومَ الخميس، فهذه سِتَّة أيَّامٍ كما في القرآن، أمَّا خَلْقُ آدم عليه السلام، فيجعلونه خارجًا عن هذه الأيَّامِ السِّتةِ للخَلْقِ؛ وبهذا يَندفعُ الإشكال مِن وجهةِ نَظرهِم.

مع اختلافِهم في وَجهِ هذا الخروجِ لآدم عليه السلام عن خلقِ الأيَّام السِّتة، على وَجْهينِ:

الأوَّل: فيذهبُ فيه بعضهم إلى أنَّ خَلْقَ آدم عليه السلام مُستَقلٌّ عن خَلْقِ الأرض، فليس هو مِنها، فلا يكون يومُه مَعدودًا في الأيَّامِ السِّتة أصلًا.

وفي تقريرِ هذا الوجه، يقول ابن هُبيرة (ت ٥٦٠ هـ): «لمَّا كمُلَت هذه الأشياء في سِتَّة أيَّام كما قال عز وجل، واستَتَبَّ أمرُ الدَّار، مُستدعيةً بلسانِ حالِها قدومَ السَّاكنِ حين تهيئةِ الأسبابِ، والفراغِ مِن الرِّزق والمَركب والرِّياش، وتبيِين ما يُكرَه وما يُطلب: كان خَلقُ ساكنِ الدَّارِ أبي البَشر في يومِ الجمعةِ عند آخرِ النَّهار» (١).

أمَّا ابن الجوزيِّ، فرأيُه أنَّ أصولَ الأشياءِ هي الَّتي خُلِقَت في الأيَّام السِّتة، وليس مُطلَق الأشياء، وآدم ليس أصلًا، وإنَّما هو كالفَرْعِ مِن بعضِها، وكأنَّ قولَه هذا شارحٌ لِما سَبَق مِن كلامِ ابنِ هُبيرة.

يقول ابن الجوزيِّ: «إنْ قيل: فالقرآن يَدلُّ على أنَّ خلقَ الأشياء في ستَّة أيَّام، وهذا الحديث يدلُّ على أنَّها في سبعةٍ! فالجواب: أنَّ السَّموات والأرض وما بينهما خُلِقَ في ستَّة أيَّام، وخُلق آدم مِن الأرض، والأصول خُلِقت في ستَّة، وآدم كالفرعِ مِن بعضها» (٢).


(١) «الإفصاح» لابن هبيرة (٨/ ١٤٩).
(٢) «كشف المشكل» لابن الجوزي (٣/ ٥٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>