للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبذا يظهرُ أنَّ الحديثَ حَمَلَ في طيَّاتِ متنِه ما ينقُضُه! -كما أشار إلى ذلك ابن تيميَّة- فإنَّه بَيَّن ما يُوافقُ سائرَ الأحاديث مِن أنَّ آدم خُلِق يوم الجمعة، وأنَّه خُلِق آخرَ هذا الخلق الَّذي نَتَكلَّم عنه؛ وبما أنَّ الخَلقَ كان في سِتَّةِ أيَّام، فالفَرضُ أن يكون ابتداءه يومَ الأحد لا السَّبت! وفي ذلك دلالةٌ على ما وَقَع في الحديثِ مِن الغلطِ بذكرِ الخلقِ يومَ السَّبت (١)، ويدلُّ على أنَّ آدم داخلٌ في هذا الخلقِ الأوَّل في آخرها.

والقول بأنَّ خلقَ آدمَ عليه السلام كان آخرَ الأيَّام السِّتة، هو المشهور أيضًا مِن مُعتَقَد أهلِ الكتاب، حتَّى كان عَديُّ بن زيد (٢) في جاهليَّتِه يُنشد في ذلك شعرًا، يقول فيه:

قضَى لستَّةِ أيَّامٍ خلائِقَه *** وكان آخرَ شيءٍ صَوَّرَ الرَّجُلَا

وليس يعارض هذا التَّقريرَ قولُهم: إنَّ خلقَ آدم عليه السلام مُستَقِلٌّ عن خَلقِ الأرض، وأنَّه ليس منها، فلا يدخل بذلك في الأيَّام السِّتة؛ فإنَّا نقول:

إنَّ هذا الَّذي قدَّمتموه ليسَ مَحلًّا للنِّزاع! فلسنا نجادل في كونِ خَلْقِ آدمَ مِن جملةِ خلقِ السَّماوات والأرض أو لا، فإنَّا مُقِرُّون بعدمِ نسبتِه إلى ذلك، كيف لا والسَّماء والأرض إنَّما هُيِّئَتا لأجلِه؟! فهذا معلوم.

إنَّما مَحلُّ النَّزاع الَّذي ينبغي تحريره: هل خَلْقُ آدم داخل في أيَّامِ الخلقِ الأولى أو لا؛ فنحن نقول بدخولِه فيها، وأنَّه آخرُ الخلقِ منها، مع قولِنا بتَقَدُّمِ خلقِ السَّمواتِ والأرضِ على خلقِه.

فبان أنَّ ثمَّة فرقًا بين القولِ بدخولِ آدم عليه السلام في خلقِ السَّماوات والأرض -ولسنا نقول به- وبين دخولِ خَلقِه ضمنَ الأيَّام السِّتة في آخرِها، وهذا ما نَدَّعي رُجْحانَه.


(١) انظر «بغية المرتاد» لابن تيمية (ص/٣٠٥).
(٢) عدي بن زيد بن حمَّاد العَبادي التَّميمي: شاعر من دهاة الجاهليِّين، كان قرويًّا من أهل الحيرة، فصيحًا، يحسن العربية والفارسية، وهو أول من كتب بالعربية في ديوان كسرى، ثمَّ وُجِّه رسولًا إلى ملك الرُّوم طيباريوس الثَّاني في القسطنطينية، مات (٣٦ ق. هـ)، انظر «معجم الشُّعراء العرب» (ص/١٦٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>