أمَّا ما تَوَسَّل به ابنُ الجوزيِّ لإخراجِ آدم عليه السلام مِن الأيَّام السِّتة، من كونِ أصولِ الأشياء هي الَّتي خُلِقَت في الأيَّام السِّتة، وليس مُطلق الأشياء، وأنَّ آدم ليس أصلًا، وإنَّما فرعٌ مِنها:
فعلى التَّسليم بصِحَّةِ مُقدِّمتِه تلك، فإنَّ آدمَ عليه السلام أصلٌ للجِنسِ البَشريِّ، لا فرعًا لجنسٍ آخر!
ولا يُقال إنَّه فَرعٌ مِن الأرضِ، ليُخرَجَ مِن كونِه أصلًا؛ فإنَّ لازمَه -حسب قولِ ابن الجَوزيِّ- أن تَخرُج الجبالُ هي أيضًا مِن هذه الأيَّام السِّتة، لكونِها فرعًا عن الأرض! فهي أثَرٌ لتَداخلِ صفائِح قِشرتها! وكذا فلتَخْرُج كثيرٌ مِن أقواتِ الأرضِ من هذه الأيَّام السِّتة، فهي فرعٌ عن الأرضِ أيضًا!
فإذا عُلِم بطلان هذا اللَّازم، بطُل به المَلزوم الَّذي أراد ابن الجوزيِّ تقريرَه.
ولو أنَّ ابن الجوزيِّ قالَ مثلَ ما قالَ ابن أبي زمنين (ت ٣٩٩ هـ): «خَلَقَ الله أصولَ الخَلْقِ في الأيَّام السِّتة، وخلَقَ آدمَ عليه السلام يومَ الجمعة آخرَ الأيَّام السِّتة»(١): لمَا كان لقولِه دافع مِن جهة النَّظر؛ فإنَّ معنى كلام ابن أبي زَمنين هذا، أنَّ أصلَ «الأنواعِ» لا «الأشياء» هي المَخلوقة في الأيَّام السِّتة، والَّتي هي أصولُ المَوَاتِ: كالمعادن، والأتربة، والسَّوائل، والأقوات، وأصول الأحياء: كالدَّواب، والطُّيور، والحيتان، والجِنِّ، والإنس، وهذا ما تَقتضيه البَيْنِيَّة في قولِه تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}[ق: ٣٨].
وأمَّا دَفعُ المُعلِّميِّ دخولَ خلقِ آدم عليه السلام في الأيَّام السِّتة، بكونِ خالقيَّةِ الله تعالى لم تَتَوقَّف بعد الأيَّام السِّتة، فلا يُحصَر خلقُ آدم فيها:
فقد قرَّرنا آنفًا أن لا أحَدَ يُنكر خالقيَّةَ الله تعالى بعد الأيَّام السِّتة، فإنَّ خَلْقَ الخلَّاقِ سبحانه لا نهايةَ له، لكن الحديث نفسُه يُثبتُ لهذا الخلق نهايةً بخلقِ بآدم! فعلِمنا أنَّ المَعْنِيَّ به خلْقًا مَخصوصًا، وهو ابتداء خَلقِ هذا العالَم المَشهود في ستَّةِ أيَّام، وقد أشرنا إلى هذا في ما مَضى.