للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا استدعاء المُعلِّمي لبعضِ الآثارِ الدَّالةِ على وجودِ عُمَّارٍ للأرضِ قبل آدم عاشوا فيها دَهرًا، في مقامِ الاحتجاج على أنَّ خلقَ آدم مُتأخِّر بمدَّةٍ طويلةٍ عن خلقِ السَّموات والأرضِ: فقد قَدَّمنا أنَّ تأخُّرَ خَلْقِ آدم عليه السلام عن خلقِ السَّماء والأرضِ لا يُنازَع فيه.

وأمَّا ما ذَكَره مِن وجودِ آثارٍ تفيد تعميرَ الجِنِّ في الأرضِ قبل آدم بدهر، ليخلُصَ إلى إخراجِ خلقِ آدم مِن جملةِ الأيَّامِ السِّتة: فهذا الَّذي يستَحِقُّ مناقشتَه بإسهابِ، لأنَّه مِن ركائزِ مَن يجادل عن صحَّةِ هذا الحديث، فنقول في ذلك:

إنَّ القولَ بَسبْقِ أقوامٍ مِن الِجنِّ إلى سُكْنى الأرضِ قبل آدمَ بدهورٍ، وإن كان هو قولًا شائعًا في كُتُب التَّفسير، خاصَّةً عند آياتِ الخلقِ أوائلَ البقرة؛ فإنَّه يبقى مِن جملةِ الغُيوبِ الَّتي لم يَثبُت فيها دليل صَحيح صَريح مِن كتابٍ أو سُنَّة، فليس في هذا الباب على هذا حُجَّة نقليَّة (١).

وقد تَعَقَّب الطَّبريُّ مثلَ هذا القولَ بكلامٍ يحسُن أن يكون قاعدةً في قرائن التَّرجيح في التَّفسير، فقال: « .. إنَّما تركنا القولَ بالَّذي رواه الضَّحاك عن


(١) أقوى ما ورد في هذا الباب أثر لابن عبَّاس يقول فيه: «لقد أخرجَ الله آدمَ مِن الجنَّة قبل أن يدخلها أحَد، .. وقد كان فيها قبلَ أن يُخلَق بألفَي عام الجِنُّ بنو الجانِّ، فأفسدوا في الأرض، وسَفكوا الدِّماء، .. فلمَّا أفسدوا في الأرضِ، بَعث عليهم جنودًا مِن الملائكة، فضَربوهم حتَّى ألحقوهم بجزائر البُحور .. ».

أخرجه الحاكم في «المستدرك» (رقم: ٣٠٣٥) من طريق: أبي بكر ابن أبي شيبة، عن أبي معاوية الضرير، عن الأعمش، عن بكير بن الأخنس، عن مجاهد، عن ابن عباس، وقال الحاكم: «هذا إسناد صحيح الإسناد، ولم يخرجاه».
واختُلف عن أبي معاوية فيه، فرواه عنه علي الطنافسي عند ابن أبي حاتم في «التفسير» (١/ ٧٧)، وسعدان بن نصر المخرمي عند قوام السُّنة في «الحُجَّة» (١/ ٣٨٦)، بنفس الطَّريق الأوَّل لكن عن عبد الله ابن عمرو، والأشبه بالصَّواب عندي أن يكون عن ابن عمرو، لشهرتِه برواية الإسرائيليات.
نعم، روى الطَّبري هذا الأثر في «تفسيره» (١/ ٤٧٧) عن ابن عبَّاس من طريق أبي رَوق، عن الضَّحاك عنه، لكن الضَّحاك لم يسمع من ابن عبَّاس، فهو منقطع، مع في الضَّحاك من كلام بعض أئمَّة التَّجريح، وانظر «تهذيب الكمال» (١٣/ ٢٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>