للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن عبَّاس، ووافَقه عليه الرَّبيع بن أنس، وبالَّذي قاله ابنُ زيد في تأويلِ ذلك (١)؛ لأنَّه لا خَبَر عندنا بالَّذي قالوه مِن وجهٍ يَقطعُ مجيئُه العذرَ، ويُلزِم سامعَه به الحجَّة.

والخبرُ عمَّا مَضى وما قد سَلَف، لا يُدرَك علمُ صِحَّتِه إلَّا بمجيئِه مَجيئًا يمتنِع منه التَّشاغب والتَّواطؤ، ويستحيلُ منه الكذب والخطأ والسَّهو، وليس ذلك بموجودٍ كذلك فيما حكاه الضَّحاك عن ابن عبَّاس» (٢).

هذا؛ وقد استنبطَ بعض المُحقِّقين من نفسِ آياتِ الخلقِ الَّتي في أوائل البقرةِ، والَّتي سِيقَت لأجلها تلك الآثار، من قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: ٢٩ - ٣٠]؛ استنبطَ منها ما يدلُّ على أوليَّةِ آدمَ في سُكنى الأرض بعد خلقِها!

ذلك أنَّ المُتأمِّل في هذه الآياتِ، يخلُص إلى أنَّ القولَ بإعمار قومٍ للأرضِ قبل آدم يُنافي هذا السِّياق القرآني، «لأنَّ تعقيبَ ذكرِ خلقِ الأرضِ ثمَّ السَّماوات بذكرِ إرادتِه تعالى جعْلَ الخليفةِ، دليلٌ على أنَّ جعلَ الخليفةِ كان أوَّلَ الأحوال على الأرض بعد خلقِها، فالخليفة هنا الَّذي يخلفُ صاحبَ الشَّيء في التَّصرُّف في مَملوكاتِه، ولا يلزم أن يكون المَخلوف مُستقِرًّا في المكان مِن قبل؛ فالخليفة آدم، وخَلَفِيَّتُه قيامُه بتنفيذِ مرادِ الله تعالى مِن تعميرِ الأرض .. ، وتلقينِ ذريَّتِه مرادَ الله تعالى» (٣).

قلت: وإنَّ تقديمَ الجار والمجرور {لَكُمُ} المُتعلِّق بالفعلِ {خَلَقَ} على المفعولِ به في الآية: فيه معنى الاختصاصِ أو السَّبَبيَّة، أي: أنَّ الله إنَّما خَلَق الأرضَ لأجلِكم ولانتفاعِكم أنتم (٤).


(١) يعني تأويل قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} بأنَّ آدم خَلَف الجنِّ في تعمير الأرض.
(٢) «جامع البيان» (١/ ٥٠٠).
(٣) «التَّحرير والتَّنوير» (١/ ٣٩٩).
(٤) انظر «البحر المحيط» لأبي حيَّان الأندلسي (١/ ٢١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>