للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تجعل الحديثَ مُلحَقًا بما حَدَّث به النَّبي صلى الله عليه وسلم مِن تلقاء نفسه، فيُجْزَمُ بصدق أصله، قياسًا على إجازته صلى الله عليه وسلم أو تقريره للعمل إذ يدلُّ [على] حلِّه وجوازه؟

والظَّاهرُ لنا أنَّ هذا القياسَ لا مَحَلَّ له هنا، والنَّبي صلى الله عليه وسلم ما كان يَعلم الغيب؛ فهو كسائرِ البَشر يحْمِل كلامَ النَّاس على الصِّدق؛ إذا لم تحُفَّ به شبهة، وكثيرًا ما صَدَّق المنافقين والكُفَّار في أحاديثِهم، وحديث العُرَنِيين (١) وأصحاب بئر مَعونة (٢) ممَّا يدلُّ على ذلك، وإنمَّا كان يعرف كذِب بعضَ الكاذبين بالوَحي، أو بعض طرق الاختبار، أو أخبار الثِّقات، ونحو ذلك مِن طُرق العلمِ البشريِّ، وإنَّما يمتاز عن غيرهم بالوحي، والعصمة من الكذب، وما كان الوحي ينزل إلَاّ في أمر الدِّين، وما يتعلَّق بدعوتِه وحفظِه وحفظ ما جاء به؛ وتصديقُ الكاذب ليس كذبًا .. » (٣).

وممَّا قاله أيضًا:

« .. هل يجب أن تكون حكايته صلى الله عليه وسلم لما حدَّث به تميم تصديقًا له؟ وهل كان صلى الله عليه وسلم مَعصومًا مِن تصديقِ كلِّ كاذبٍ في خبر؛ فيُعَدُّ تصديقُه لحكايةِ تميم دليلًا على صدقه فيها؟ ويُعَدُّ ما يرِدُ عليها مِن إشكالٍ واردًا على حديث له حكم المرفوع؟ .. إنَّ ما قالوه في العصمة لا يدخل فيه هذا، فالمُجمَع عليه هو العصمة في التَّبليغ عن الله تعالى، وعن تعمُّد عصيانه بعد النُّبوة .. وتصديقُ الكاذب لا يُعدُّ ذنبًا .. » (٤).

وممَّن نَسج بعده على منوالِه: (محمَّد أبو ريَّة)، وسيأتي نصُّ كلامه -قريبًا-.

وجاء بعده (أبو الأعلى المَوْدودي) فنَبَز الحديثَ بأنَّه «أسطورةٌ ووَهْم»!


(١) رواه البخاري في (ك: الوضوء، باب: أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها، رقم: ٢٣٣)، ومسلم في (ك: القسامة، باب: حكم المحاربين والمرتدين، رقم: ١٦٧١).
(٢) أخرجه البخاري في (ك: المغازي، باب: غزوة الرجيع، ورعل، وذكوان، وبئر معونة، رقم: ٤٠٨٨)، ومسلم في (ك: المساجد ومواضع لصلاة، باب: استحباب القنوت في جميع الصلاة، رقم: ٦٧٧).
(٣) «مجلة المنار» (١٩/ ٩٧).
(٤) «تفسير المنار» (٩/ ٤٩٥ - ٤٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>