للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومُحصَّل القول: أنَّ خبرَ تميمٍ رضي الله عنه ليس غريبًا تفرَّدت به صحابيَّةٌ -كما تَوهَّم مَن أنكره مِن المعاصرين- بل شهِد لصدقِه مِن الصَّحابةِ أبو هريرة، وعائشة، وناهيك بهذين إمامةً في الحفظِ والدِّين.

فكان حَقُّ الحديث أن يُعرَف بالشُّهرة لا الغُربة (١)،

والمَشهور مِن الحديث مَقبول في ما تَوافَرت الدَّواعي إلى نقلِه، حتَّى الحنفيَّةَ قبِلوه في ما تَعمُّ به البَلوى، مع أنَّهم يشترطون فيه التَّواترَ خلافًا للجمهورِ، فحكمُ المَشهورِ عندهم حكمُ المُتواترِ في هذا الباب (٢).

ولَعَمري؛ إنَّ الواحدَ مِن أولاءِ الصَّحبِ الكِرامِ رضي الله عنهم، لتكفينا شهادتُه على نفسِه في ما سمِعه أو رآه مِن نبيِّه صلى الله عليه وسلم لنصَدِّقَه فيه، ولو كان عجيبَ المَخْبَرِ، واسعَ المَحْضَر، فكيف باتِّفاقِ ثلاثتِهم على روايةِ نفسِ المَشهد؟ ثمَّ كيف لو رواه أكثرُ مِن هؤلاء، لكن لم تَتَّصِل بنا روايتَهم مِن جِهة التَّدوين؟!

ولذا قال ابن حجر: «دَلَّ ورُودَها علينا مِن روايةِ عائشة أمِّ المؤمنين، وأبي هريرة، وجابر وغيرهم رضي الله عنهم، على أنَّ جماعةً آخرين رَووها، وإنْ لم تتَّصلْ بنا روايتُهم» (٣).

هذا كلُّه مِمَّا يَنفي عن فاطمة تُهمةَ الوَهمِ أو الخَلطِ في ما رَوته مِن قصَّة تَميم رضي الله عنه. فليت شعري؛ كيف بعد ذلك يُقال في مثلِها أنَّها وَهِيَت في حفظِها لحديثِ نبيِّها إلى دركةِ التَّخليطِ بين خطبةٍ سمعتها مِنه صلى الله عليه وسلم على المنبر حينَ حَدَّث


(١) وأنا أتكلَّم هنا عن طبقة الصَّحابةِ لا مَن دونهم.

أمَّا دعوى الألباني في كتابه «قصة المسيح الدَّجال» (ص/٨٢)، في قوله عن هذا الحديث: «اِعلَم أنَّ هذه القصَّة صحيحةٌ، بل متواترة .. »، فلا أدري وجه حكمِه هذا عليه بالتَّواتر، ولو مَع فرضِ متابعاتِ ثلاثةٍ لفاطمة رضي الله عنهم، ولا أعلمُ أحدًا سَبَقه إلى ذلك.
(٢) انظر «بدائع الصَّنائع» للكاساني (١/ ١٤٧).
(٣) «الأسئلة الفائقة بالأجوبة اللائقة» لابن حجر (ص/٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>