للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن الدَّجال (١)، وقصَّةٍ مُستقلَّةٍ سمعتها عن تَميم؟! .. كما يزعمُه أحدُ الباحثين (٢).

أيُّ غفلةٍ هذه بَلَّغت صاحبَها أن يسمع كلامٍ يسرُده قَصَّاصٌ يُؤنِس به سَامِعِيه، ثمَّ يَنسِب ما سمعه بطولِه إلى المَعصومِ صلى الله عليه وسلم؟! أليس هذا الخَرَف بعينِه؟!

هل يُعلَم صحابيٌّ وَقَع في مثلِ هذا الخلطِ المَشينِ بين خَبَرين مُتبايِنين، بل النَّحْلِ على النَّبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقُله! وبهذه الصُّورة الفَجَّة الدَّالةِ على اختلاطِ صاحبها وشديدِ غفلتِه؟! (٣)

أيُّ عاقلٍ يُجيز أن تَقَعَ مثل تلك الفَقيهة في مثلِ ما ادُّعيَ عليها، وقد راكَمَت في عينِ حديثِها مِن قرائنِ الحفظِ، ومُعايشتِها لتفاصيلِ أحداثِه، ما يُنْبِي عن شديدِ تثبُّتٍ منها في الإِخبار، ويُحيلُ أيَّ احتمالٍ لخلطِ الأَخبار؟!

فلقد ذَكَرتْ فاطمة رضي الله عنها أنَّها سمِعتْ بأُذُنِها النِّداءَ للصَّلاة، وأنَّها إنَّما ذَهبتْ إلى المسجدِ تُجيبه، حتَّى ذَكَرتْ مَكانَ جلوسِها بتدقيقٍ! ثمَّ شَرعت في وصفِ مشهدِ ما رَأَته مِن حركاتِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قبل كلماتِه، وكيف ضحِك بدءَ خطابِهم، وماذا قال للنَّاسِ تسكينًا لارتياعِهم، وكيف أنَّ الجمعَ كان منه جرَّاءَ خبرٍ سُرَّ به، ثمَّ هو بعد سَرْدِ ما جرى مِن تفاصيل القصَّةِ، استشهدَ فاطمةَ ومَن معها مِن


(١) وهذا أصل هذا الحديث صحَّ عن عدَّة صحابة في «الصَّحيحين» وغيرهما، وحديث فاطمة فيه رواه عنها الشَّعبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّه لم يكُن نبيٌّ قطُّ إلَّا وقد حذَّر أمَّته الدَّجال، وإنَّه فيكم أيَّتها الأمَّة، وإنَّه يطأ الأرض كلَّها غير طيبة» أخرجه ابن راهويه في «مسنده» (٥/ ٢١٩، رقم: ٢٣٦٠) والنسائي في «السنن الكبرى» (٤/ ٢٥١، رقم: ٤٢٤٥).
(٢) أعني به حاكم المطيري، رئيس حزب الأمَّة بالكويت، في بحثٍ له اكتفى بنشر مُلَخَّصه على موقِعه الرَّسمي، وقد عنونه بـ: «دراسة لحديث الجسَّاسة، وبيان ما فيه من العِلل في الإسناد والمتن»، بعد أن اعتذرت مجلة كليَّة الشَّريعة بجامعة الكويت من نشره لطوله، ورفضت عددٌ من المجلَّات العلميَّة السُّعودية والمصريَّة تحكيمَه ونشرَه لجلالةِ «صحيح مسلم»! كما يذكر الباحث نفسُه في مُقدِّمة بحثه ذلك.
(٣) فإن قيل: قد وقع منها الغلط في حديثِها المشهور عن المَبتوتة، ونسبتها إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه نفى عنها السُّكنى والنَّفقة! فيُقال في ردِّ هذا الإيراد: أنَّ ما وقع من فاطمة في حديث المَبتوتة غايتُه أن يكون عن سوء فهمٍ عنه صلى الله عليه وسلم، لا عن سوء حفظٍ عنه! بمعنى: أنَّها نَقَلَت ما فهِمته منه خَبَرًا عنه، في حين أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يَعني بكلامِه لها التَّعميم، فكأنَّها عَّمَمت كلامَه وحقُّه التَّخصيص، وأطلقته وحقُّه التَّقييد.

<<  <  ج: ص:  >  >>