للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحضورِ بـ: «ألَا هل كنتُ حدَّثتكُم ذلك؟»، فذكرتْ إجابتَهم له بِنَعم، ثمَّ أنَّه صلى الله عليه وسلم خَتَم خُطبَتَه إعجابًا بحديثِ تميم أنْ وافَق ما حدَّثهم به قبلُ عن الدَّجال، لتُنهيَ هذا السَّردَ العَجيبَ بما رأته مِن إشارتِه بيدِه الشَّريفةِ إلى مكانِ خروجِه.

فمثلُ هذا لا يكون أبدًا عن وهمٍ، لا يكون إلَّا عن تعمُّدِ اختلاق! وقد برَّأ الله فاطمة رضي الله عنها أن تقعَ في مثلِه؛ وقد علمنا مُتابعة غيرها لها فيه.

وكان مِن جَليلِ فهمِ ابنِ القيِّمِ لأنماطِ الخِطابِ ودلالاتِه، أن جَعل ما حدَّثت به فاطمةُ دليلًا في نفسِه على صدقِ خبرِه، وفضلِ راوِيَتِه، كما في قوله: «إذا شئتَ أنْ تعرِفَ مقدارَ حِفظها وعلمِها، فاعرِفهُ مِن حديثِ الدَّجال الطَّويل الَّذي حدَّث به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على المنبرِ، فوَعَته فاطمةُ وحفظته، وأدَّته كما سمعته، ولم يُنكِره عليها أحدٌ مع طولِه وغرابتِه» (١).

نعم؛ لم يُنكره عليها أَحدٌ البتَّة، وعلى مثلِ هذه الحالِ يَتنزَّل تقرير المَازَريِّ حين قال: «إنَّ الصَّاحِبَ إذا رَوَى مِثلَ هذا الأمرَ العجيبَ، وأحالَ على حضورِه فيه مع سائرِ الصَّحابة، وهم يَسمعون روايتَه ودعواه حضورَهم معه، ولا يُنكِرون ذلك عليه (٢)، فإنَّ ذلك تصديقٌ له يُوجِب العلمَ بصحَّة ما قال» (٣).

فمَنْ ظَنَّ بها بعد كلِّ هذا ظنَّ سَوءٍ في التَّحديثِ، فإنَّا سائلوه:

لِمَ لم يَتَنبَّه أحَدٌ مِن الأئمَّة قبلك طيلةَ قرونٍ إلى هذه العِلَّة في خبرِها حتَّى خَرجتَ علينا تُلوِّح باكتشافِكَ؟!

أين الأمَّة مِن دعوى التَّعليل هذه؟

مَن جَرُؤَ مِن علمائِها على رَميِ صحابيَّةٍ بالتَّضعيفِ أو التَّخليطِ كما فعلتَ؟

فهذا عامر الشَّعبي، وهو الَّذي سمِع من فاطمةَ حديثَها عن النَّبي صلى الله عليه وسلم في وصفِ الدَّجال، وسمِع منها أيضًا حديثَها في الجسَّاسة (٤)، لم يَدَّعِ عليها هذا الخلْطَ أو تطرُّقَ الوَهمِ إليها في مَزجِهما، وقد كان أَوْلى أن يَتنبَّه لذلك!


(١) «زاد المعاد» (٥/ ٤٧٦).
(٢) هذا لمجردِّ عدم الإنكار، فكيف وقد أقرَّ فاطمةَ بنتَ قيسٍ على خيرها هذا اِثنان من جِلَّة الصَّحابة؟!
(٣) «المعلم بفوائد مسلم» (٢/ ٤١٤).
(٤) وهذان هما الخَبرانِ اللَّذان اتُّهِمَ د. المطيري فاطمة بالتَّخليطِ بينهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>