للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمَّ أئمَّة العِلَل بعده أجدرَ النَّاس أن يُوَفَّقوا لبيانِ ذلك، وأوْلى أن يُعِلِّوا حديثَها بهذا الانفرادِ المُدَّعى.

بل أنا أقول: إنَّ في نفسِ تفرِقَتِها بين هذين الخبرين وهي تُحدِّث بهما، لأكبرُ دليل على تثبُّتِها ومَزيد عنايتِها وتمييزها لِما تُنميه إلى نبيِّها صلى الله عليه وسلم مِن غيرِه!

يبقى إشكال أخيرٌ قد يُشَوَّش به على أذهانِ من يعتقد صحَّة حديثِ فاطمة هذا، وهو: أنَّ عددًا مِن الصَّحابة رضي الله عنهم ظَلَّ على اعتقادِ أنَّ ابنَ صيَّادٍ (١) هو الدَّجالُ، أو كان يرتابُ فيه على أقلِّ تقدير، حتَّى بعد وفاة النَّبي صلى الله عليه وسلم، مع أنَّه قد خُطِب فيهم قبلُ بقصَّة تميم، مِن هؤلاء: ابن مسعود (٢)، وأبو سعيد الخدري (٣)، وابن عمر (٤)، وأختُه حفصة (٥)،

وجابر بن عبد الله، وكان يحلِف على ذلك، فلمَّا سُئِل عن حلِفه هذا قال: «إنِّي سمعتُ عمرَ يحلِف على ذلك عند النَّبي صلى الله عليه وسلم، فلم يُنكِره النَّبي صلى الله عليه وسلم» (٦).

فالفَرض في حديث الجسَّاسةِ أن يكون قاطعًا للنِّزاع في ماهيَّة ابن صيَّاد بكونِه غير المَسيح الدَّجال، فإنَّ هذا مَحبوس في جزيرة، فلِم بَقوا على اعتقادِ ذلك فيه؟


(١) ويُقال له: ابن صيَّاد أيضًا، وسُمِّي بهما في الأحاديث، واسمه: صاف، وقيل: عبد الله، وهو من يهود المدينة، أظهر إسلامَه بعدُ، قال العلماء: وقصَّتُه مشكلة، وأمره مُشتبه في أنَّه هل هو المسيح الدَّجال المشهور أم غيره؟! ولاشكَّ في أنَّه دجَّال من الدَّجاجلة، قالوا: وظاهر الأحاديث أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يُوحَ إليه بأنَّه المسيح الدَّجال ولا غيره، وإنَّما أوحي إليه بصفات الدَّجال، وكان في ابن صيَّاد قرائن محتملة، فلذلك كان النَّبي صلى الله عليه وسلم لا يقطع بأنَّه المسيح الدَّجال ولا غيره، انظر «شرح النَّووي على مسلم» (١٨/ ٤٦).
(٢) كما في «مسند» لأبي يعلى (٩/ ١٣٢، رقم: ٥٢٠٧)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (٧/ ٣٨٧، رقم: ٢٩٤٣)، والطبراني في «المعجم الكبير» (١٠/ ١٠٩، رقم: ١٠١١٩) بإسناد صحيح.
(٣) كما في «صحيح مسلم» (ك: الفتن، باب: ذكر ابن صياد، رقم: ٢٩٢٧).
(٤) في «سنن أبي داود» (ك: الملاحم، باب: في خبر ابن صائد، رقم: ٤٣٣٠) بإسنادٍ صحيح.
(٥) في «صحيح مسلم» (ك: الفتن، باب: ذكر ابن صياد، رقم: ٢٩٣٢) ..
(٦) كما في البخاري (ك: الاعتصام، باب من رأى ترك النكير من النبي صلى الله عليه وسلم حجة، لا من غير الرسول، رقم: ٧٣٥٥)، ومسلم في (ك: الفتن، باب: ذكر ابن صياد، رقم: ٢٩٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>