للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما يُمكننا الجواب به عن هذا جوابان، يُكمِّل أحدُهما الآخر:

أمَّا الأوَّل: فيُقال فيه باحتمالِ جهلِ مَن ذُكِر بقصَّة تميمٍ: فإنَّا لا نَتَخرَّص القولَ بأنَّ حضورَ الخطبةِ كان غَفيرًا، بل لعلَّه مَشهدٌ قد فَوَّته كثيرٌ مِن الصَّحابة، خاصَّةً أنَّه كان فُجاءةً، ثمَّ بعض الغائِبين لم تبلُغه بعدُ مع ذلك، لغيابِه وقتَها عن المَدينة مدَّةً، أو لم يكُن من شأنِه الرِّواية أصلًا، إلى غيرِ ذلك مِن أعذارٍ رَبُّنا أعلَمُ بها.

وفي تقرير هذا الجواب يقول أبو جعفر الطَّحاوي:

«إنْ قال قائل: فكيف بَقِي ابن مسعود، وأبو ذرٍّ، وجابر رضي الله عنهم على ما كانوا عليه فيه مِمَّا قد رويتُه عنهم في هذا الباب مِمَّا قالوه فيه بعد النَّبي صلى الله عليه وسلم؟

فكان جوابُنا له في ذلك بتوفيقِ الله عز وجل وعونِه: أنَّه قد يحتمِل أنَّ ذلك كان منهم لأنَّهم لم يعلَموا بما كان مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم بِما حَدَّث به النَّاسَ عن تميم الدَّاري رضي الله عنه، ولا مِن سُرورِه به، فقالوا في ذلك ما قالوا .. » (١).

وإلى مثلِه نحا البيهقيُّ في جوابِه، فقال:

«إنَّ الدَّجالَ الأكبرَ الَّذي يخرج في آخر الزَّمان غيرُ ابن صيَّادٍ، .. وكَأنَّ الَّذين يجزِمون بابنِ صيَّادٍ هو الدَّجال لم يسمعوا بقصَّة تميم، وإلَّا فالجمع بينهما بعيد جدًّا؛ إذْ كيف يلتَئِم أن يكون مَن كان في أثناءِ الحياةِ النَّبويَّة شِبهَ المُحتلِم، ويجتمعُ به النَّبي صلى الله عليه وسلم ويسألُه، أن يكون في آخرِها شيخًا كبيرًا مَسجونًا في جزيرةٍ من جزائر البحر، مُوثَقًا بالحديدِ، يَستفهِمُ عن خبر النَّبي صلى الله عليه وسلم هل خَرَج أو لا؟

فالأَوْلَى أن يُحمَل على عدمِ الاطِّلاع.

أمَّا عمر: فيحتمل أن يكون ذلك مِنه قبلَ أن يَسمع قصَّةَ تميم، ثمَّ لمَّا سمِعها لم يعُد إلى الحلِفِ المذكور» (٢).


(١) «شرح مشكل الآثار» (٧/ ٣٩١).
(٢) نصُّ البيهقي نقله ابن حجر في «فتح الباري» (١٣/ ٣٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>