للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعم؛ كان بعضُ السَّلف مِمَّن عايَشَ تميمًا في الشَّامِ يعتقِدُ في الدَّجال المَحبوسِ في الجزيرة أنَّه شيطان، كجبير بن نفير (١)، وعمرو بن الأسود (٢)، وكثير بن مُرَّة (٣)، ويزيد بن شريح (٤)، وشريح بن عبيد (٥)، والمقدام بن مَعدي يَكْرِب وهو صَحابيٌّ رضي الله عنه! هؤلاء كلُّهم كانوا يقولون: «الدَّجال ليس إنسانًا، إنَّما هو شيطان في بعضِ جَزائر البحر، مُوثَق بسبعينَ حلْقةً، لا يُعلَم مَن أوثقه .. » (٦).

ولا أستبعدُ أنْ يكونَ أصلُ هذا الاعتقادِ في الدَّجالِ مَأخوذًا عن تميمٍ نفسِه، فإنَّ مِن هؤلاء مَن سمِع تميمًا، أو سَمِع مِمَّن سَمِع منه (٧)؛ كما لا يبعُد أن يكون بعضُهم قد تَلَقَّاه أيضًا مِن بعضِ الكِتابيِّين (٨)، لكنْ مُجرَّد تقريرِهم لطبيعةِ هذا الدَّجالِ المَحبوسِ كافٍ في عدمِ امتناعِ ذلك فيه.

الشَّاهد عندي من هذا:

أنَّ حديث تميمٍ قد تَطرَّق إليه احتمالٌ في ماهيَّة أشخاصِه عند جابرٍ، بصرفِ النَّظر عن قوَّة هذه الاحتمالاتِ مِن ضعفِها؛ خلافًا لما وقعَ في نفسِ جابرٍ مِن ابن صيَّادٍ، إذْ كان انطباقُ صِفاتِ الدَّجال عليه، وجَزمُ عمر به، مع إقرارِ النَّبي صلى الله عليه وسلم له على حَلفِه فيما رآه، وكان الحقُّ يجري على لسانِ عمر وقلبِه: كلُّ


(١) جبير بن نفير بن مالك بن عامر الحضرمي، ثقة جليل من كبار التابعين، توفي (٨٠ هـ)، انظر «سير أعلام النبلاء» (٤/ ٧٦).
(٢) عمرو بن الأسود أبو عياض العنسي الحمصي، أدرك الجاهلية والإسلام، وكان من سادات التابعين دينًا وورعًا، توفي في خلافة عبد الملك بن مروان، انظر «سير النبلاء» (٤/ ٧٩).
(٣) كثير بن مرة الرهاوى، ثقة من كبار التابعين، توفي (٨١ هـ وقيل ٩٠ هـ)، انظر «سير النبلاء» (٤/ ٤٦).
(٤) يزيد بن شريح الحضرمي الحمصي، تابعي ثقة، توفي (١١٠ هـ)، انظر «تاريخ الإسلام» (٣/ ١٧٩).
(٥) شريح بن عبيد الحضرمي الحمصي، تابعي ثقة، توفي بعد (١٠٠ هـ)، انظر «تاريخ الإسلام» (٣/ ٢٤٧)، وهذا ذكره ابن حجر في «الفتح» (١٣/ ٣٢٨) نقلًا عن نعيم بن حماد وليس في أصل المطبوع من كتابه «الفتن».
(٦) «الفتن» لنعيم بن حماد (٢/ ٥٤١) بإسنادٍ صحيح إليهم.
(٧) فإنَّ كثيرَ بن مُرَّة مِن أصحابِ تميم رضي الله عنه، وجبير مِن أصحابِ المقدام رضي الله عنه، وسائر هؤلاء التابعين مِن أهلِ حِمص قد أخَذَ بعضُهم من بعض.
(٨) كما احتمله ابن حجر في «فتح الباري» (١٣/ ٣٢٨)، ولعلَّ يزيد بن شريح منهم، فإنَّه مِمَّن سمِع من كعبِ الأحبار.

<<  <  ج: ص:  >  >>