للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا أورثَ في نفسِ جابرٍ نوعَ قطعٍ بأنَّ ابن صيَّادٍ هو الدَّجال، فقَدَّم هذا القطعَ منه على ما في حديث تميم مِن ظَنٍّ في الماهيَّة، والله تعالى أعلم.

ويَغلِبُ على ظنِّي أنَّ هذا المَسْلكَ من جابرٍ في التَّرجيحِ عينَه هو ما مشى عليه البخاريُّ في كتابِه، فإنَّه لمَّا اشتدَّ التباس الأمرِ في هذه الأخبار، «اقتصَرَ في كتابِه على حديثِ جابر عن عمر في ابنِ صيَّاد، ولم يُخرِج حديثَ فاطمة بنت قيس في قصَّة تميمٍ» (١) كما قال ابن حَجَرٍ، وهذا مَنزعٌ منه حَسن في توجيهِ اختيارِ البخاريِّ.

وليس يَعني أنَّ البخاريَّ يُضعِّف حديثَ فاطمة (٢) -كما تَوَهَّمه (رشيد رِضا) حين رَأى «الصَّحيحَ» خاليًا مِنه، فظَنَّه تضعيفًا مِن مُصَنِّفِه له- كلَّا؛ فإنَّه وإن لم يُخرِج حديثَ فاطمة بنت قيس رضي الله عنها إلَّا أنَّه قد نَطَق بتصحيحِه.

وذلك فيما نقَلَه عنه تلميذُه التِّرمذي؛ قال: «سألتُ محمَّدًا عن هذا الحديث -يعني: حديث الجسَّاسة- فقال: «يَرويه الزُّهري عن أبي سلمة، عن فاطمة ابنةِ قيس، .. وحديث الشَّعبي عن فاطمة بنت قيس في الدَّجال: هو حديث صحيح» (٣).


(١) «فتح الباري» لابن حجر (١٣/ ٣٢٨).
(٢) كما ظنَّه د. حاكم المطيري في بحثِه السَّابق ذكره.
(٣) «العلل الكبير» للترمذي (ص/٣٢٨).
وما ذكره البخاريُّ هما الطَّريقان الوحيدان لحديث الجسَّاسة عن فاطمة بنت قيس، ويظهر من جوابِه أنَّه يُرجِّح طريقَ الشَّعبي على طريق الزُّهري عن أبي سلمة، وحقُّه ذلك، فإنَّ رواية الزُّهري جاءت عنه من طريقين:
ابن أبي ذئب، كما في «سنن أبي داود» (رقم: ٤٣٢٥)، وأبو يعلى في «معجمه» (رقم: ١٥٧)، والطبراني في «الكبير» (رقم: ٩٢٢).
وإبراهيم بن إسماعيل بن مُجمع: كما في «الآحاد» لابن أبي عاصم (ص/٣١٨٠)، والطبراني في «الكبير» (رقم: ٩٢٣).
فأمَّا ابن أبي ذئب: وإن كان هو ثقةً في نفسِه، غير أنَّ روايته عن الزُّهري خاصَّةً مُتكلَّم فيها، فطَعن بعضُهم فيها بالاضطراب والمُخالفة، انظر «تهذيب الكمال» (٢٥/ ٦٣٥).
وأمَّا إبراهيم بن إسماعيل: فقال فيه البخاريُّ: كثير الوَهم، وقال ابن معين: ضعيف متروك الحديث، انظر «التهذيب» لابن حجر (١/ ١٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>