للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلم يحمِلْهُ رجحانُ حديثِ جابرٍ رضي الله عنه عنده على الطَّعنِ في حديثِنا هذا.

وعلى ذلك نقول:

إنَّ الرُّجحانَ المقصودَ مِن كلامِ ابن حجرٍ فيما تَعَلَّق بترجيحِ البخاريِّ إنَّما هو رُجحانُ دَلالة، لا رُجحانٌ صِحَّةٍ أو ضعفٍ؛ قد أبانَ ابن حَجرٍ نفسُه عن مُراده من ترجيح البخاريِّ في بعضِ جَواباتِه المنشورة، مما يُزيل ذاكَ التَّوهُّمَ عن تقريرِه الَّذي في «الفتح».

فقلد سُئِل عن حديثِ الجسَّاسةِ: هل فيه عِلَّةٌ لأجلِها لم يُخرِجه البخاريُّ، مع أنَّه ليس في البابِ شَيءٌ يُغني عنه؟

فأجاب ابن حجر بقولِه: «ليست له عِلَّةٌ قادحةٌ تقتضي تركَ البخاريِّ لتخريجِه، .. والَّذي عندي أنَّ البخاريَّ أعرضَ عنه لمِا وَقَع مِن الصَّحابة رضي الله عنهم في أمرِ ابنِ صيَّاد، ويظهر لي: أنَّه رجُحَ عنده ما رَجُح عند عمر وجابر وغيرهِما رضي الله عنهم مِن أنَّ ابن صيَّاد هو الدَّجال، وظاهر حديث فاطمة بنت قيس يَأبى ذلك، فاقتصَرَ على ما رَجُح عنده، وهو على ما يَظهر بالاستقراءِ مِن صنيعِه: يُؤثِر الأرجحَ على الرَّاجح، وهذا مِنه» (١).

فكِلا الحديثين عند البخاريِّ في حيِّزِ القَبول -حديث فاطمة وحديث ابنِ صيَّا- كلُّ ما في الأمرِ، أنَّه اختارَ أحدَهما على الآخر ورَّجحه من حيث الدَّلالة على المَطلوب، فإنَّ «مِن عاداتِ البخاريِّ أنَّه إذا اختارَ جانِبًا، ذَهب يُهدِر جانبًا آخرَ، كأنَّه لم يَرِد فيه شيءٌ» (٢)؛ فكذا شأنُه مع حديثِ الجسَّاسة، ترَك أن يُدخلَه «جامِعَه الصَّحيح»، إذْ كان ظاهره مُعارِضًا لِما اختارَه مِن كونِ ابنِ صيَّادٍ هو الدَّجالَ.


(١) «الأسئلة الفائقة بالأجوبة اللَّائقة» لابن حجر (ص/٢٤).
(٢) «فيض الباري» للكشميري (٢/ ١١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>