للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعاملة على الظَّواهر، فظنُّوا أنَّه يصدِّق كلَّ ما يُقال له .. إي نعم؛ هو أُذن، ولكنَّه نِعم الأُذن؛ لأنَّه أُذن خيرٍ لا كما تزعمون، فهو لا يقبل ممَّا يسمعه إلَّا الحقَّ وما وافق الشَّرع .. ولا يصدِّق ما لا يجوز تصديقه شرعًا أو عقلًا»! (١)

فالظَّاهر أنَّ «هدفَ الشَّيخ رشيد كان نزعَ صِبغة الإلزامِ الشَّرعيِّ عن الحديث مهما كلَّف الأمر، فإن لم يكُن مصنوعًا، فهو ليس بمرفوعٍ كلُّه» (٢)؛ والله يغفرُ له.

وأمَّا جواب المعارضة الثَّالثة في دعوى أنَّ البِحارَ قد مَسَحَها البَحَّارة في هذه الأزمنة مسحًا ... إلخ ما قالوا:

فهذا اعتراضٌ شبه الرِّيح، لأنَّ العلم الحديث مع بلوغِه في الاتِّساع والتَّطوُّر شأوًا عظيمًا؛ إلَّا أنَّه مع هذا الترقِّي في العلوم، ما زال الحِسُّ يقضي بقصورِ مُنجَزاته عن الإحاطةِ بكلِّ شيءٍ، وليس عَدمُ علمِ البحَّارةِ بما غُبِّي عليهم بقاضٍ لِأَن يَنفي ما لم يعلموا؛ لأنَّ عدمَ العِلم بالشَّيءِ لا يسلبُه حقيقةَ الوجود.

والَّذي ينبغي الإقرار به: أنَّ الشَّرعَ الحكيم لا يأمر المُكَلَّف بالإيمانِ بأمرٍ لا وَاقع له؛ فإنَّ هذا مُنتَفٍ في تضاعيفِ الأدلَّة الشرعيَّة، لكنَّه يأمر امتحانًا وابتلاءً بالإيمان لواقعٍ مُغيَّبٍ غيرِ مَشهود، والمغالطة تَنشأ حين يُخلط بين البَابين (٣).

فإذا كان الأمر كذلك؛ فإنَّ قَبول أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ليس مَرهونًا بتصحيح علوم بعض البَشر القاصرة لها، بل علوم البَشر مَرهونٌ قَبولُها بألَّا تُخالفَ ما صَحَّ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، فلا يُترَكَ المقطوع بصحَّته لأمرٍ تَعتوِرُه الظُّنون، وتحيط به مِن كلِّ جانب؛ والمتأمِّل في أحوال العلوم -مع تطوُّرِها نسبيًّا- يجدُ أنَّها في طَوْر المَهْد بالنِّسبة لما يخْفى علينا.

مثال على ذلك: ما نَراه مِن اكتشافاتٍ للكهوف، ومَعالم، وآثارٍ كانت في حيِّز المجهول، عَجَزت التِّكنولوجيا مِن قبلُ عن اكتشافها؛ مع وقوعِ هذه


(١) «تفسير المنار» (١٠/ ٤٤٦).
(٢) «موقف المدرسة العقلية الحديثة من السنة النبوية» لـ د. شفيق شقير (ص/٣٢٤).
(٣) «دفع دعوى المعارض العقلي» (ص/٤٦٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>