للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما كان جواب المُعترضِ عن هذه الآية، فهو الجواب نفسُه عن الحديث؛ والَّذي قَدِر على إطلاع تميم رضي الله عنه على هذه الجزيرة، قادرٌ على أن يُضِلَّ سائر النَّاس عنها، ليَجرِيَ قدَرُه على وِفق ما قضى وأراد (١).

وحسمًا لمادَّة هذه المعارضةِ يُقال:

إنَّ الربَّ تبارك وتعالى إذا أراد شيئًا هيَّأَ أسبابَه، فالله جل جلاله من حكمته أن أطلَعَ تميمًا الدَّاري رضي الله عنه على أمر الدجَّال؛ ليكون ذلك توكيدًا لما كان يُحدِّث به النَّبي صلى الله عليه وسلم أصحابَه من شأنَ الدجَّال، ولحِكَمٍ أخرى نجهلُها، «فيزداد المسلمون وثوقًا به، وهذا بيِّنٌ في الحديث» (٢).

وأمَّا دعوى المعارض الرَّابع: أنَّ الحديث مُعارَضٌ بقولِ النَّبي صلى الله عليه وسلم: «لا تأتي مائة سنةٍ وعلى الأرض نفسٌ منفوسةٌ اليوم»؛ فيُمكن كشفُ إشكالِه بجوابين:

الأوَّل: أن يكونَ النَّبي صلى الله عليه وسلم إنَّما أراد بهذا الحديث «الآدميِّين المَعروفين، وأمَّا مَن خَرج عن العادة، فلم يَدخُل في العُموم، كما لم تدخل الجنُّ، وإن كان لفظًا يَنتظِم الجنَّ والإنسَ، وتخصيصُ مثل هذا مِن مثلِ هذا العمومِ كثيرٌ مُعتاد» (٣).

والجواب الثَّاني: فيما حَرَّره محمَّد الأمين الشَّنقيطي بعدَ ذكرِه لحديثِ تميمٍ، قال:

«هذا نَصٌّ صالحٌ للتَّخصيص، يُخرِج الدَّجالَ مِن عمومِ حديثِ مَوتِ كلِّ نفسٍ في تلكِ المائة، والقاعدة المقرَّرة في الأصول: أنَّ العمومَ يجِبُ إبقاؤُه على عمومِه، فما أخرجَه نَصٌّ مخصِّص خرَج مِن العموم، وبَقي العامُّ حجَّةً في بقيَّة الأفراد الَّتي لم يدلَّ على إخراجها دليلٌ، كما قدَّمناه مِرارًا، وهو الحقُّ ومذهبُ الجمهور، وهو غالبُ ما في الكتاب والسُّنة مِن العمومات، يخرج منها بعضُ الأفراد بنصٍّ مُخصِّص، ويبقى العامُّ حجَّةً في الباقي» (٤).


(١) انظر «دفع دعوى المعارض العقلي» (ص/٤٦٧ - ٤٦٨).
(٢) «الأنوار الكاشفة» (ص/١٣٤).
(٣) «مجموع الفتاوى» (٤/ ٣٤٠).
(٤) «أضواء البيان» (٣/ ٣٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>