للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحيث أورَد العُثيمين حديثَ انخرامِ القرنِ إشكالًا على حديثِ الجسَّاسة، فإنَّه مع ذلك لم يجزِم بنُكرانِه كدأبِ المُتعجِّلين مِن مُنكري السُّنَن، بل اختارَ طريقَ السَّلامة، والتَّوقُّفَ في ما أشكلَ عليه؛ فعبارتُه قال فيها: «في نفسِه منه شيءٌ»، مُعترفًا بتقصيره في تتبُّع أقوال العلماء في هذه المسألة (١)؛ فلعلَّه لو فعلَ، لانحازَ إلى صَفِّهم في قَبولِهم له.

فإن قيل تفريعًا عن هذا الإشكال:

أليس في هذا الطُّول المفرطِ في عمرِ الدَّجال، من عهد النَّبي صلى الله عليه وسلم إلى قربِ قيامِ السَّاعة، ما يُثبت له الخلود، وهو ما قد نَفاه الله تعالى عن عموم البَشر؟

فيُقال في الجوابِ عليه: إنَّ للخلودِ مَعنيَين:

المعنى الأوَّل: ما يُراد به انتفاء الموتِ عن الشَّخصِ، «وهو البَقاء الدَّائم» (٢)، وهو المُراد مِن كونِ أهلِ الجَنَّة وأهلِ النَّارِ المُشركين خالدين فيهما، فإنَّهم باقونَ فيهما أبَدًا مِن غير مَوتٍ ولا تحوُّل.

المعنى الثَّاني: ما يُراد به الطُّول المفرِط في المَكثِ متجاوزًا المَعهود، وإن استتبَعَ عدمَ بقاء، وهو المَقصود بآياتِ خلودِ بعضِ أهلِ الكبائر في النَّار مِن غيرِ أهلِ الشِّرك.

وكِلا هذين المَعنيينِ قرَّرهما الرَّاغب الأصفهانيُّ تعريفًا للفظِ الخلودِ، فقال: «الخلود: هو تبَرِّي الشَّيء مِن اعتراضِ الفسادِ، وبقاؤُه على الحالةِ الَّتي هو عليها؛ وكلُّ ما يَتباطَأ عنه التَّغيير والفساد، تصِفُه العَربُ بالخلودِ، كقولِهم للأثافي: خَوالِد، وذلك لطولِ مَكثِها، لا لدوامِ بقائِها» (٣).

فعلى هذا نقول:

إنْ كان المقصود بالخلودِ في هذا الاعتراضِ ما كان بالمعنى الأوَّل: أي انتفاء الموت عن الشَّخص ودوام بقائِه: فليسَ في جميعِ أخبارِ الدَّجال ما يُفهِم


(١) كما في الجزء الثَّامن من برنامج «اللِّقاء المَفتوح»، وعنوان المسألة: «حال حديث الجسَّاسة».
(٢) «التفسير البسيط» للواحدي (١٥/ ٦٩).
(٣) «المفردات» للرَّاغب الأصفهاني (ص/٢٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>