للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك، بل الوارد فيها مَقتَلُه على يَدِ المَسيح ابن مريم عليه السلام بُعيد نزولِه آخر الزَّمان، ثمَّ يعيشُ النَّاس بعدَ موتِه سَنواتٍ مَديدة.

وإن كان المقصودُ بالخلودِ معنَى اللَّبثِ الطَّويلِ الخارجِ عن العادة: فليس في الشَّرعِ ما يَنفي ذلك عن أحدٍ إذا ما صَحَّ فيه الخَبر؛ والدَّجال كلُّ أمرِه خارقٌ للعادة، وقد علِمتَ حالَه من العَجب، فلا يصِحُّ أن يُقاسَ على سائرِ الأسواءِ من البَشر

وعليه نفهمُ أنَّ نفيَ الله عز وجل لخلودِ أحدٍ مِن بني آدم في قولِه: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء: ٣٤] (١)، إنَّما هو نَفيٌ للخُلدِ بالمعنى الأوَّل، أي نفيَ البقاءِ في الدُّنيا مِن غيرِ مَوتٍ، أي: أنَّه «لا يخلُد في الدُّنيا بَشَر، فلا أنتَ يا محمَّد ولا هُم إلَّا عُرضةٌ للمَوتِ؛ فإذا كان الأمرُ كذلك، فإنْ مِتَّ أنتَ أيبقَى هؤلاء؟» (٢)، ولذلك أُعقِبَت الآيةُ بقولِه: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء: ٣٥].

وأمَّا جوابُ المعارض الخامس؛ في دعوى أنَّ استشهادَ النَّبي صلى الله عليه وسلم برجلٍ كِتابيٍّ على ما كان يحدِّث المُسلمين به: حَطٌّ مِن شأنِه .. إلخ، فيُقال فيه:

إنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يكُن المُبادر ابتداءً إلى إشهادِ تميمٍ الدَّاري رضي الله عنه لمِا كان يخبر به عن الدَّجال، بل تميم رضي الله عنه هو مَن وَفَد إليه فأخبره عفوًا بما جَرى له مع الدَّجال؛ فلمَّا أن وافقَ ما كان يحدِّث به النَّبي صلى الله عليه وسلم أصحابَه، أعجبَه صلى الله عليه وسلم ذلك، فأخبرَ بالقصَّة استزادةً في يقينِ السَّامِعين، وتثبيتًا لإيمانِهم؛ وليسَ مَن رَأى كمَن سمِع!

ثمَّ ما العيب، وهذا القرآن نفسُه قد أمرَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بإشهادِ بعضِ أهلِ الكتابِ على صِدقِ نُبوَّتِه، مع أنَّ نُبوَّته قد شهِد له بها الوَحيُ نفسُه، فقال تعالى: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: ٤٣]؛ ولكن


(١) وبهذه الآية نفى حاكم المطيري في جملة ما نفى به جواز المكث الطويل للدجال كما يُفهم من حديث الجسَّاسة، وبه أنكر الحديث.
(٢) «الكشَّاف» للزمخشري (٣/ ١١٦)، وانظر «جامع البيان» للطبري (١٦/ ٢٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>