عن العيان، وتشفي من الخبر. فإن أجبت كانت لك الدنيا والآخرة، وإلا ذهبت عنك الآخرة، وشوركت في الدنيا، واعلم أن لك ربا يقصم الجبابرة، ويغير النعم.
فأخذ قيصر الكتاب ووضعه على عينيه ورأسه وقبله ثم قال: أما والله ما تركت كتابا إلا وقرأته، ولا عالما إلّا وسألته، فما رأيت إلا خيرا فأمهلني حتى أنظر من كان المسيح يصلي له، فإني أكره أن أجيبك اليوم، بأمر أرى غدا ما هو أحسن منه، فأرجع عنه فيضرني ذلك، ولا ينفعني، أقم حتى أنظر. فلم يلبث أن أتاه وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الروض أيضا: أن حاطبا لما قدم على المقوقس ملك مصر قاله له: إنه قد كان رجل قبلك يزعم أنه الرب الأعلى، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى، فانتقم به ثم انتقم منه، فاعتبر بغيرك ولا يعتبر بك غيرك، قال: هات قال: إن لك دينا لن تدعه إلا لمن هو خير منه، وهو الإسلام إليه الكافي به الله فقد ما سواه.
إن هذا النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس، فكان أشدّهم عليه قريش، وأعداهم له يهود، وأقربهم منه النصارى. ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إلا، كبشارة عيسى بمحمد. وما دعاؤنا إياك للقرآن، إلّا كدعاء أهل التوراة إلى الإنجيل. وكل نبي أدرك قوما فهم من أمته، فالحق عليهم أن يطيعوه، فأنت ممن أدرك هذا النبي، ولسنا ننهاك عن دين المسيح، ولكن نأمرك به.
وفيه أيضا أن العلاء بن الحضرمي لما قدم على المنذر بن ساوى بكتابه عليه السلام قال له: يا منذر، إنك عظيم في الدنيا، فلا تصغرنّ عن الآخرة، إن هذه المجوسية ليس فيها تكرم العرب، ينكحون ما يستحيا من نكاحه، ويأكلون ما يتكره عن أكله، ويعبدون في الدنيا نارا تأكلهم يوم القيامة، ولست بعديم عقل ولا رأي، هل ينبغي لمن لا يكذب أن لا تصدقه؟ ولمن لا يخون أن لا تأمنه؟ ولمن لا يخلف ألا تثق به؟ فإن كان هذا هكذا؛ فهو هذا النبي الأمي، الذي والله لا يستطيع ذو عقل أن يقول: ليت ما أمر به نهى عنه، أو ما نهى عنه أمر به، أو ليته زاد في عفوه أو نقص من عقابه إنّ كلّ ذلك منه على أمنية أهل العقل، وفكر أهل البصر.
وفيه أيضا أن عمرو بن العاص لما قدم على على الجلندى قال له: يا جلندى، إنك وإن كنت منا بعيدا؛ فإنك من الله غير بعيد، إن الذي تفرّد بخلقك أهل أن تفرد بعبادتك، وأن لا تشرك به من لم يشركه فيك، واعلم أنه يميتك الذي أحياك، ويعيدك الذي بدأك.
فانظر في هذا النبي الأمي الذي جاء بالدنيا والآخرة، (فإن كان ما يريد به أجرا فامنعه، أو يميل به هوى فدعه ثم ينظر فيما يجيء به يشبه ما تجيء به الناس فإن كان يشبهه فسله العيان وتخيّر عليه في الخير) وإن كان لا يشبهه فاقبل ما قال، وخف ما وعد.
وفيه أيضا أن شجاع بن وهب لما قدم على جبلة بن الأيهم قال له: يا جبلة إن قومك