نقلوا هذا النبي الأمي من داره إلى دارهم، - يعني: الأنصار- فاووه ومنعوه، وإن هذا الدين الذي أنت عليه ليس بدين آبائك، ولكنك ملكت الشام وجاورت بها الروم، ولو جاورت كسرى دنت بدين الفرس لملك العراق، وقد أقر بهذا النبي الأمي من أهل دينك من إن فضلناه عليك لم يغضبك، وإن فضلناك عليه لم يضرك، فإن أسلمت أطاعتك الشام وهابتك الروم، وإن لم يفعلوا كانت لهم الدنيا ولك الآخرة، وكنت قد استبدلت المساجد بالبيع، والأذان بالناقوس، والقبلة بالصليب. وكان ما عند الله خير وأبقى.
وفيه أيضا أن المهاجر بن أبي أمية، لما قدم على الحارث بن عبد كلال قال له: يا حارث، إنك كنت أوّل من عرض عليه المصطفى نفسه، فخطأت عنه، وأنت أعظم الملوك قدرّا، فإذا نظرت في غلبة الملوك فانظر في غالب الملوك، وإذا سرّك يومك فخف غدك، وقد كان قبلك ملوك ذهبت آثارها وبقيت أخبارها، عاشوا طويلا وأمّلوا بعيدا، وتزودوا قليلا. منهم من أدركه الموت، ومنهم من أكلته النقم، وأنا أدعوك إلى الرب الذي إن أردت الهدى لم يمنعك، وإن أرادك لم يمنعه منك أحد وأدعوك إلى النبي الأمي الذي ليس شيء أحسن مما يأمر به، ولا أقبح مما ينهى عنه، واعلم أن لك ربا يميت الحي ويحيي الميت، ويعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور.
ومما قاله دحية في قدومه على قيصر:
ألا هل أتاها على نابها ... فإني قدمت على قيصر
فقدرته بصلاة المسيح ... وكانت من الجواهر الأحمر
وتدبير ربك أمر السما ... ء والأرض فأغضى ولم ينكر
وقلت تقر ببشري المسي ... ح فقال: سأنظر، قلت: انظر
فكاد يقرّ بأمر الرسو ... ل، فمال إلى البدل الأعور
فشك وجاشت له نفسه ... وجاشت نفوس بني الأصفر
على وضعه بيديه الكتا ... ب على الرأس والعين والمنخر
فأصبح قيصر من أمره ... بمنزلة الفرس الأشقر
يريد بالفرس الأشقر مثلا للعرب فيمن يتردد عن الشيء، لا يريد ما يرجح فيه انظر ص ٣٥٥ من الجزء الثاني من الروض.
وفي ص ٣٥٩ من الجزء السادس من صبح الأعشى من غريب ما يروى، ما ذكره ابن عبد الحكم، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب مصر، وبلغه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ما منعه أن يدعو عليّ فيسلط علي؟ قاله له حاطب: ما منع عيسى أن يدعو على من أبي عليه أن يفعل ويفعل. فوجم ساعة ثم استعادها فأعادها عليه حاطب، فسكت.
ويروى أنه حين سأله عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم في حروب قومه وذكر له أن الحرب تكون