للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بينهم سجالا تارة له وتارة عليه، قال له المقوقس: النبي يغلب؟ فقال له حاطب: فالإله يصلب؟ يشير بذلك إلى ما تزعمه النصارى من أن المسيح عليه السلام صلب مع دعواهم فيه أنه إله؟

وفي ترجمة سيدنا عبادة بن الصامت من الاستبصار للموفق بن قدامة، روي أن المقوقس صاحب مصر بعث إلى عمرو أن أبعث لي رسلا أكلمهم، فبعث إليه نفرا منهم عبادة بن الصامت، وأمره أن يكون هو المتكلم، وكان عبادة أسود شديد السواد، فلما دخلوا على الملك تقدم عبادة، فقال الملك: ما فيكم من يتكلم غير هذا؟ فقال القوم: هو أفضلنا وأقدمنا صحبة لنبينا، ومع هذا فقد أمره أميرنا. هو المتكلم قال: فليتقدم إذا. فإنما هبته لسواده. فقال عبادة: فإن كنت هبتني لسوادي وقد ولى شبابي، وذهبت قوتي فكيف بك لو رأيت عسكرنا وفيه أكثر من ألف أشد مني سوادا، وأقوى أبدانا وأعظم أجسادا؟

فطلب منه الملك الصلح. فقال عبادة: إنا لا نقبل منكم إلا إحدى خلال ثلاث: إما أن تسلموا، فتكونوا إخواننا، لكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإما أن تؤدوا الجزية إلينا،.

وتعتقدوا منا الذمة، فنقبل منكم ونكف عنكم، وإما أن تبرزوا لنا حتى يحكم الله بيننا وبينكم. فقال الملك: لا تقبلوا غير هذه الخلال الثلاث؟ فرفع عبادة يديه فقال: لا ورب السماء، لا ورب هذه الأرض، لا نقبل منكم غيرها. فقال الملك لأصحابه: ما ترون فيما قال؟ فأبوا. فقال الملك: والله لئن لم تقبلوا منهم إحدى هذه الخلال قبل قتل الرجال وسبي الحريم، لتقبلنه منهم بعد ذلك وأنتم راغمون فصالحهم.

ووجه عمر عبادة إلى الشام قاضيا ومعلما اهـ.

ثم استطرد القلقشندي، أن بعض ملوك الروم كتب إلى خليفة زمانه يطلب منه من يناظر علماء النصرانية عنده، فإن قطعهم أسلموا، فوجه إليهم بالقاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني المالكي، فلما حضر المجلس، واجتمع لديه علماء النصارى قال له بعضهم: إن معتقدكم أن الأنبياء معصومون في الفراش، وقد رميت عائشة بما رميت به، فإن كان ما رميت به حقا كان ناقضا لأصلكم الذي أطلقتموه في عصمة الأنبياء في الفراش. وإن كان غير حق كان مؤثرا في إيمان من وقع منه. فقال له القاضي، أبو بكر: امرأتان حصينتان رميتا بالفرية؛ إحداهما لها زوج ولا ولد لها. والآخرى لها ولد ولا زوج لها. يشير بالأولى إلى عائشة، وبالثانية إلى مريم فسجدوا له على عادة تحيتهم في ذلك. وقد رأيت في ترجمة الباقلاني من تاريخ الإسلام للحافظ الذهبي هذه القصة على وجه آخر؛ وذلك أنه ذكر أنه جرت له أمور منها؛ أن الملك أدخله عليه من باب خوخة ليدخل راكعا للملك، ففطن لها ودخل بظهره ومنها أنه قال لراهبه: كيف الأهل والأولاد فقال له الملك: أما علمت أن الراهب يتنزه عن هذا؟ فقال: تنزهونه عن هذا ولا تنزهون الله عن الصاحبة والولد؟

وقيل: إن طاغية الروم سأله كيف جرى لعائشة. وقصد توبيخه فقال: كما جرى

<<  <  ج: ص:  >  >>