للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمريم وبرأ الله المرأتين، ولم تأت عائشة بولد، فأفحمه ولم يدر جوابا اهـ من تاريخ الإسلام.

وأحفظ أيضا أن الباقلاني سأله ملك الروم أيضا. قال له: تزعمون أن القمر انشق لنبيكم، فهل للقمر قرابة حتى ترونه دون غيركم؟ فقال: وهل بينكم وبين المائدة إخوة ونسب إذ رأيتموها، ولم ترها اليهود واليونان والمجوس، الذين أنكروها وهم في جواركم؟

فأفحم ولم يدر جوابا.

وقد ذكر القصة مبسوطة ابن التلمساني في شرح الشفا قائلا: ذكر بعضهم أن الإمام العالم الأعرف أبا بكر بن الطيب، لما وجهه صاحب الدولة سفيرا إلى ملك الروم، ليظهر به رفعة الإسلام، وبغض النصرانية. وجرت في تلك الوجهة، في القسطنطينية بينه وبين ملكها، مع بطارقته ونبلاء ملته مناظرات ومحاورات، منها: أن الملك قال له هذا الذي تدّعونه في معجزات نبيكم من انشقاق القمر، كيف هو عندكم؟ قال: هو صحيح عندنا.

انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رآه الناس، وإنما رآه من الحضور من اتفق نظره إليه في تلك الحال. فقال الملك: وكيف لم يره جميع الناس؟ قال: الناس لم يكونوا على أهبة ووعد لحضوره. قال. وهذا القمر بينكم وبينه قرابة لأي شيء لم يعرفه الروم وغيرهم من سائر الناس، وإنما رأيتموه أنتم خاصة؟ قال: فهذه المائدة بينكم وبينها نسب، وأنتم رأيتموها دون اليهود والمجوس والبراهمة واهل الإلحاد واليونان جيرانكم؛ فإنهم كلهم منكرون لهذا الشأن فتحير الملك وقال في كلامه: سبحان الله، وأمر بإحضار فلان القسيس ليكلمني، وقال: نحن لا نطيقه، فلم أشعر إذ جاؤا بالرجل كالدب أشقر الشعر، فقعد وحكيت له المسألة فقال: الذي قال المسلم لازم لا أعرف له جوابا إلا ما ذكره، فقلت:

له: إن الكسوف إذا كان يراه جميع أهل الأرض أم يراه أهل الإقليم الذي في محاذاته؟

فقال: لا يراه إلا من كان في محاذاته. قلت: فما أنكرت من انشقاق القمر كذلك إذا كان من ناحية لا يراه إلا أهل تلك الناحية، ومن تأهب للنظر. وأما من أعرض عنه، أو كان في الأمكنة التي لا يرى القمر فيها فلا يراه فقال: هو كما قلت. لا يدفعك عنه دافع. وإنما الكلام في الرواة الذين نقلوا. فأما الطعن في هذه الوجه فليس بصحيح، فقال الملك:

وكيف يطعن في النقلة؟ فقال النصراني: شبه هذا من الآيات إذا صح وجب أن ينقله الجم الغفير، حتى يتصل بنا العلم به، ولو كان كذلك لوقع لنا العلم الضروري به، فلما لم يقع دلّ على أنه أكبر مفتعل باطل، فالتفت الملك إلي وقال: الجواب. فقلت: يلزمه في نزول الملائكة بالمائدة ما لزمني في انشاق القمر. ويقال له: لو كان نزول المائدة صحيحا لوجب أن ينقله العدد الكثير، فلا يبقى يهودي ولا نصراني إلا ويعلم هذا بالضرورة، ولما لم يعلموا ذلك بالضرورة، دل أن الخبر كذب فبهت النصراني والملك ومن ضمه المجلس وانفصل للوطن على هذا اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>