للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحبسهم بالمدينة في دار بنت الحرث، امرأة من الأنصار، ثم خرج رسول الله إلى سوق المدينة التي هي سوقها اليوم فخندق بها خنادق، ثم بعث إليهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق يخرج بهم أرسالا» [انظر سيرة ابن هشام ج ٢/ ٢٤٠] .

قال الماوردي في الأحكام السلطانية؛ الحبس الشرعي ليس هو السجن في مكان ضيق، وإنما هو تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه، سواء كان في بيت أو مسجد أو كان يتولى نفس الخصم أو وكيله عليه ملازمته له، ولهذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم أسيرا، كما روى أبو داود وابن ماجه عن الهرماس بن حبيب عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بغريم لي فقال لي: إلزمه ثم قال لي: يا أخا بني تميم ما تريده أن تفعل بأسيرك؟

وفي رواية ابن ماجه: ثم مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر النهار فقال ما فعل أسيرك يا أخا بني تميم؟ وهذا كان هو الحبس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر الصديق. ولم يكن له محبس معد ليحبس الخصوم.

وتنازع العلماء هل يتخذ الإمام حبسا على قولين: فمن قال لا يتخذ حبسا احتج بأنه لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لخليفته بعده حبس، ولكن يعوضه «١» بمكان من الأمكنة أو يقيم عليه حافظا وهو الذي يسمى الترسيم، أو يأمر غريمه بملازمته، ومن قال: له أن يتخذ حبسا احتج بفعل عمر.

وأما الحبس الذي هو الآن فإنه لا يجوز عند أحد من المسلمين، وذلك أنه يجمع الجمع الكثير، في موضع يضيق عنهم غير متمكنين، من الوضوء والصلاة وقد يرى بعضهم عورة بعض، ويؤذيهم الحر والصيف.

وقال الإمام أبو عبد الله بن فرج مولى ابن الطلاع في كتاب الأقضية: اختلف أهل العلم هل سجن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أحدا قط أم لا؟ فذكر بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له سجن ولا سجن أحدا قط، وذكر بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجن في المدينة في تهمة. رواه عبد الرزاق والنسائي في مصنفيهما من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وذكر أبو داود عنه في مصنفه قال: حبس رسول الله ناسا من قومي في تهمة بدم، وبهز بن حكيم مجهول عند بعض أهل العلم، وأدخله البخاري في كتاب الوضوء فدل على أنه معروف.

وفي غير المصنف عن عبد الرزاق بهذا السند أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة ساعة من نهار ثم خلّى عنه.

ووقع في أحكام ابن زياد عن الفقيه أبي صالح أيوب بن سليمان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم


(١) هكذا في الأصل! وينبغي وضع كلمة بمعنى: يلزمه. أو يعوقه. فلتحرر.

<<  <  ج: ص:  >  >>