للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يكون معنى الحديث في الطبيبين أنهما استويا في القدر المجزي منهما المحصل للغرض، وزاد أحدهما بأمور تكميلية لا يضر تركها، ولا ينقص من معرفة العلاج والمعاناة، فزاد بمعرفة الطبيعيات فحينئذ يكون تفضيل أحدهما على الآخر غيبة، وأما حيث يكون المرجوح منهما لا يحصل المقصود منه في التطبب؛ فالظاهر أن التعريف بذلك ليس غيبة اهـ منه. فاستفيد من القصة ذكر عياض عن القابسي قصة الطبيبين النصرانيين وحضور المصطفى عليه السلام معهما.

وقد أخرج ابن سعد في ترجمة معيقيب الدوسي من الطبقات: عن محمود بن لبيد في قصة الأكل مع المجذوم. وفيها: وكان عمر يطلب الطب من كل من سمع له تطبب، والقصة مبسوطة في كنز العمال ص ١٩١ من ج ٥.

وخرّج مالك وابن أبي شيبة وابن جرير، والخرائطي في مكارم الأخلاق، والبيهقي عن عمرة بنت عبد الرحمن أن أبا بكر دخل على عائشة وهي تشتكي، ويهودية ترقيها.

فقال أبو بكر أرقيها بكتاب الله عز وجل.

وأخرج ابن جرير عن عمرة أن عائشة كانت ترقيها يهودية، فدخل عليها أبو بكر رضي الله عنه وكان يكره الرقي فقال: ارقيها بكتاب الله.

وقد عقد فصلا للتطبب بالكافر والذمي الإمام ابن مفلح الحنبلي في كتابه المسمى «الآداب الشرعية الكبرى» فنقل فيه عن الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا كان اليهودي أو النصراني خبيرا بالطب ثقة عدلا جاز له أن يتطبب، كما يجوز له أن يودعه المال، وأن يعامله كما قال تعالى: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ [آل عمران:

٧٥] وفي الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر استأجر رجلا يهوديا خريتا، والخرّيت الماهر بالهداية واستأمنه وأتمنه على نفسه وماله، وكانت خزاعة عيبة [أي وفية] لرسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمهم وكافرهم وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يستطب الحارث بن كلدة، وكان كافرا وإذا أمكنه أن يستطب مسلما فهو كما لو أمكنه أن يودعه أو يعامله فلا ينبغي أن يعدل، وأما إذا احتاج إلى ائتمان الكيل أو استطبابه فله ذلك، ولم يكن من ولاية اليهودي والنصراني المنهي عنها، وإذا جاز طبه ومخاطبته بالتي هي أحسن كان حسنا قال تعالى: وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت: ٤٦] اهـ كلامه.

وقال الخطابي على حديث صلح الحديبية، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم عينا له من خزاعة وقبوله خبره، فيه دليل على جواز قبول المتطبب الكافر فيما يخبر به عن صفة العلة، ووجه العلاج إذا كان غير متهم بما يصفه، وكان غير مظنون به الريبة اهـ.

وفي بدائع الفوائد للحافظ ابن القيم، في استيئجار النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أريقط الدؤلي هاديا في وقت الهجرة وهو كافر، دليل على جواز الرجوع إلى الكافر في الطب والكحل

<<  <  ج: ص:  >  >>