للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنهم أصحاب زرع، وأما نحن فلسنا بأصحاب زرع، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الحبشي في كتاب البركة: ففي هذا فوائد منها؛ دلالته على فضل الزرع، وفيه أن المهاجرين والأنصار كانوا مزارعين، لقول الإعرابي: إنك لن تجده إلا أنصاريا أو مهاجريا [ص ١٣] وهذا أكثر حجة ودلالة إذ المهاجرون والأنصار هم أفضل الأمة، كانوا أهل زرع لكن قال العارف الفاسي في تشنيف المسامع: المعروف بالزراعة إنما هم الأنصار، وأما قريش فإنما لهم التجارة لا الفلاحة، إذ ليست مكة بلاد زرع.

قلت: ذلك صحيح بحسب الأصل، وإلا فالمهاجرون بعد الهجرة زرعوا، واتجروا.

فالخبر على حاله.

وأخرج أبو داود في مراسيله عن علي بن الحسين مرسلا: أحرثوا، فإن الحرث مبارك، وأكثروا فيه من الجماجم «١» وفي لفظ آخر: يا معشر قريش إنكم تحبون الماشية فأقلوا منها فإنكم بأقل الأرض مطرا، واحرثوا فإن الحرث مبارك، وأكثروا فيه من الجماجم. خرجه أبو داود أيضا والبيهقي.

وأخرج الديلمي عن أبي مسعود رفعه لما خلق الله المعيشة جعل الله البركات في الحرث والغنم.

وفي الصحيح عن أبي هريرة: وإن إخواني من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم قال القسطلاني في الزراعة والغراسة.

وفيه عن ابن عمر أنه عليه السلام عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع أو ثمر وبوّب عليه البخاري باب المزارعة مع اليهود. وفي الصحيح أيضا؛ وكان يعطي أزواجه مائة وسق ثمانون تمرا وعشرون شعيرا.

وقسم عمر خيبر فخيّر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع لهن من الماء والأرض، أو يمضي لهن، فمنهن من اختارت الأرض ومنهن من اختارت الوسق، وكانت عائشة وحفصة ممن اختارت الأرض.

قال القسطلاني: وفي هذا الحديث جواز الزراعة والتجارة، لتقرير النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، واستمراره في عهد أبي بكر إلى أن أجلاهم عمر. وبه قال ابن خزيمة وابن المنذر. وصنف فيه ابن خزيمة جزآ بيّن فيه علل الأحاديث الواردة اهـ.

وقال الحبشي: وفي هذا فوائد منها اختيار عائشة وحفصة أفضل أزواجه عليه السلام منهن الأرض، فيزدرعنها قال البخاري: وزارع عليّ وسعد وابن مسعود.


(١) ذكره صاحب التيسير ص ٤٤ ج ١. وقال الجماجم هي البذور أو العظام التي تعلق على الزرع لدفع الطيور وغيرها عن الزرع.

<<  <  ج: ص:  >  >>