للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الحبشي: وقد عدّ العلماء الزراعات من فرض الكفاية في كثير من المصنفات، لأنه لا يقوم الدين والدنيا إلّا بها فإن تركها كل الناس أثموا كلهم. انظر كتاب البركة.

وقال القاري في شرح المشكاة على حديث: (لا يدخل هذا أي المحراث بيت قوم إلا دخله الذل) «١» وهو في الصحيح عن أبي أمامة قال: بعض علمائنا: ظاهر هذا الحديث أن الزراعة تورث المذلة، وليس كذلك؛ لأن الزراعة مستحبة، لأن فيها نفعا للناس ولخبر:

«اطلبوا الخير من خباياها» بل إنما قال ذلك لئلا يشتغل الصحابة بالعمارات وترك الجهاد فيغلب عليهم العدو، وأي ذلك أشد من ذلك؟ وقيل: هذا في حق من يقرب العدو، ولأنه لو اشتغل بالحرث وترك الجهاد لأدى إلى الذل بغلبة العدو عليه اهـ.

وفي النهاية لابن الأثير على حديث ما دخلت السكة دار قوم الّا ذلوا أي التي تحرث بها الأرض، أي أن المسلمين إذا اقبلوا على الدهقنة والزراعة شغلوا عن الغزو وأخذ السلطان بالمطالبات والجبايات وقريب من هذا الحديث قوله: «العز في نواصي الخيل والذل في أذناب البقر» اهـ منها، ونقل الفتني في مجمع بحار الأنوار عن الكرماني، على الحديث المذكور: والحاصل أن فيها ذلك الدنيا وعز الآخرة لما فيها من الثواب بانتفاع ذي كبد، وهو أفضل المكاسب على الصحيح. ونقل عن الطيبي في شرح المشكاة: وجه الذل أن اختياره لجبن في النفس، أو قصور في الهمة، وأكثرهم يلزمون بالحقوق السلطانية، ولو آثروا الجهاد لدرت عليهم الأرزاق واتسعت المواهب اهـ.

كما قرر ابن خالدون في مقدمة العبر أن الفلاحة من معاش المستضعفين من البدو، وعلل ذلك بسببين قال: الثاني أن منتحلها مخصوص بالهوان والذلة، ففي الحديث: أنه عليه السلام قال وقد رأى السكة في بعض الأنصار: وما دخلت هذه دار قوم إلا دخلها الذل لكن حمله البخاري على الإستكثار منها قال وبه والله أعلم ما يتبعها من المضرة المفضي لتحكم اليد الغالبة إلى مذلة المغلوب وقهره اهـ قال ابن الأزرق إثره في بدائع السلك: ووجه آخر أن الإكثار منها مظنة لنسيان الدفاع عن البلاد، الذي به العز والحماية كما يلوح من توجيه البخاري، ويشهد له ما رواه الإمام أحمد عن ابن عمر رفعه: إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم اهـ وقال القسطلاني كان العمل في الأراضي أول ما فتحت على أهل الذمة، فكان الصحابة يكرهون تعاطي ذلك.

وقال في الفتح: وقد أشار البخاري إلى الجمع بين حديث أبي أمامة والحديث السابق في فضل الغرس والزرع وذلك بأحد امرين: إما أن يحمل على ما ورد من الذم على ذلك ومحله إذا اشتغل به فضيع ما أمر بحفظه، وأما أن يحمل على ما إذا لم يضيع إلا أنه جاوز الحد فيه اهـ.


(١) هو في الصحيح للبخاري انظره ج ٣ ص ٦٦ من كتاب الحرث والمزارعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>