وفي السير أنه عليه السلام كان يعجبه الجلوس في الحيطان (البساتين) والصلاة فيها.
وقد روى ابن سعد وابن المنذر قال في الفتح بإسناد صحيح: عن مسروق عن عائشة قالت: لما مرض أبو بكر مرضه الذي مات فيه قال: انظروا ما زاد في مالي منذ دخلت الإمارة فابعثوا به إلى الخليفة بعدي، فلما مات نظرنا فإذا عبد نوبي كان يحمل صبيانه، وناضح كان يسقي بستانا له، ففيه أنه كان له بستان، وإنه كان يقوم عليه بالرعاية. وقال الإمام السخاوي: وقد تكون الكثرة التي دعا بها النبي صلى الله عليه وسلم لأنس: باللهم أكثر ماله وولده هي الكثرة من المواشي، وكذا من الزرع والغرس، الذي قال صلى الله عليه وسلم فيه كما في صحيح مسلم: ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو بهيمة إلا كان له صدقة، وذلك كان أكثر أموال الأنصار.
ويستأنس له بما ورد أنه كان له بستان يحمل في السنة مرتين، وكان فيه ريحان يجيء منه ريح المسك اهـ.
وفي ترجمة ربيعة بن كعب الأسلمي من طبقات ابن سعد قصة عجيبة تدل على اهتمام كبار الصحابة بالأرض وغلتها وثمرها قال: أنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا الحارث بن عبيد، ثنا أبو عمران الجوني أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع أبا بكر وربيعة الأسلمي أرضا فيها نخلة مائلة أصلها في أرض ربيعة وفرعها في أرض أبي بكر، فقال أبو بكر: هي لي وقال ربيعة:
هي لي، حتى أسرع إليه أبو بكر ثم انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبدره ربيعة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أجل فلا ترد عليه. قال فحوّل أبو بكر وجهه إلى الحائط يبكي قال: وقضى النبي صلى الله عليه وسلم بالفرع لمن له الأصل انظر ترجمة ربيعة بن كعب الأسلمي ص ٤٤ من ج ٤ ويظهر أن أبا بكر بكى على عدم إصابة ظنه أولا، وتسرعه إلى طلب ما لا حقّ له فيه حتى احتاج إلى التداعي والترافع إليه عليه السلام.
وفي خطط المقريزي ص ١٥٤ من ج ١ أن سيدنا عمر قال: من كانت له أرض ثم تركها ثلاث سنوات لا يعمرها، فعمرها قوم آخرون فهم أحق بها ونحوه في صناجة الطرب في تقدمات العرب، وزاد ووصل النيل لجون العرب بواسطة خليج القلزم كما كان صنع البطالسة والفراعنة، وخصص ثلث إيراد مصر لعمل الجسور والترع لإرواء الأرضي اهـ انظر ص ٣٠٦ منها.
قلت: يؤخذ أن عمر خصص ثلث إيراد مصر، لعمل الجسور والترع لإصلاح الري من التقرير الجغرافي الذي بعثه عمرو بن العاص لسيدنا عمر، وقد أثبتناه بنصه في القسم العاشر العلمي، وانظره ولا بد بذلك تعلم أيضا أنه كان من مبدأ عمر تقوية الزراعة وتنشيط الزراع، وأما ما جاء في ترجمته من أنه كان تقدم للعمال بأن لا يأذنوا لأحد من جنود المسلمين أن يزرع أو يزارع في البلاد المفتوحة كما في تاريخ ابن جرير وغيره وأن لا يقطعوا أرضا لأحد منهم البتة، فذلك لأمور.