وأما الجبر والمقابلة فقد قيل: إن أوائل السور فيها عدد وأعوام وأيام لتواريخ أمم سابقة، وإن فيها تاريخ بقاء هذه الأمة، وتاريخ مدة أيام الدنيا، وما مضى وما بقى مضروب بعضها في بعض.
وأما النجامة ففي قوله: أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ [الأحقاف: ٤] وقد فسره ابن عباس بذلك.
وفيه أصول الصنائع التي تدعو الضرورة إليها كالخياطة في قوله: وَطَفِقا يَخْصِفانِ [الأعراف: ٢٢] والحدادة آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ [الكهف: ٩٦] وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ [سبأ:
[النمل: ٤٤] الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ [النور: ٣٥] والفخارة فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ [القصص: ٣٨] والملاحة أما السفينة الآية والكتاب علّم بالقلم والخبز أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً [يوسف: ٣٦] والطبخ بعجل حنيذ والغسل والقصارة وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر: ٤] قال الحواريون وهم القصارون [والجزارة] إلا ما ذكيتم [والبيع والشراء] في آيات [والصبغ] صِبْغَةَ اللَّهِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ [والحجارة] وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً [الأعراف: ٧٤][والكيالة والوزن] في آيات [والرمي] وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال: ٦٠] وفيه من أسماء الأثاث وضروب المأكولات والمشروبات والمنكوحات، وجميع ما وقع أو يقع في الكائنات، ما يحقق معنى قوله تعالى: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام: ٣٨] اهـ. كلام المرسي ملخصا.
وقال ابن سراقة: من بعض وجوه اعجاز القرآن، ما ذكره الله فيه من أعداد الحساب، والجمع والقسمة والضرب، والموافقة والتأليف والمناسبة، والتنصيف والمضاعفة، ليعلم بذلك أهل العلم بالحساب، أنه صلى الله عليه وسلم صادق، وأن القرآن ليس من عنده، إذ لم يكن ممن خالط الفلاسفة، وأهل الهندسة ولا تلقى الحساب.
وقال الراغب: إن الله لما جعل نبوة النبيين بنبينا عليه السلام مختتمة، وشرائعهم منتسخة بشريعته من وجه، ومن وجه مكملة متممة؛ جعل كتابه المنزل عليه متضمنا لثمرة كتبه التي أولاها أولئك. كما نبه بقوله: يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً، فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ [البينة: ٤] وجعل من معجزات هذا الكتاب، أنه مع قلة الحجم يتضمن المعنى الجم، بحيت تقصر الألباب والبشرية عن احصائه، والآلات الدنيوية عن استيفائه، كما نبه عليه بقوله: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ، وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ [لقمان: ٢٧] فهو وإن كان لا يخلو الناظر فيه من نور ما يريه ونفح ما يوليه: