كالنور من حيث التفت رأيته ... يهدي إلى عينيك نورا باقيا «١»
كالشمس في كبد السماء وضوؤها ... يغشى البلاد مشارقا ومغاربا
وأخرج أبو نعيم وغيره عن عبد الرحمن بن زياد بن انعم قال: قيل لموسى عليه السلام: يا موسى إنما مثل كتاب أحمد في الكتب بمنزلة وعاء فيه لبن، كلما مخضته أخرجت زبدته.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي، في قانون التاويل في علوم القرآن:
خمسون علما وأربعمائة علم وسبعة آلاف وسبعون ألف علم، على عدد كلم القرآن مضروبة في أربعة، إذ لكل كلمة ظهر وبطن وحدّ ومطلع. وهذا مطلق دون اعتبار تركيبه، وما ينهي من روابط وهذا ما لا يحصى ولا يعلمه إلا الله.
قال وأما علوم القرآن ثلاثة: توحيد، وتذكير، وأحكام. فالتوحيد يدخل فيه معرفة المخلوقات ومعرفة الخالق بأسمائه وصفاته وأفعاله، والتذكير منه: الوعد، والوعيد، والجنة، والنار، وتصفية الظاهر، والباطن، والأحكام منها: التكاليف كلها، والمنافع، والمضار، والأمر والنهي، والندب. ولذلك كانت الفاتحة أم القرآن. فيها الأقسام الثلاثة.
وسورة الإخلاص ثلثه لإشتمالها على أحد الأقسام الثلاثة، وهو التوحيد.
وقال ابن جرير: القرآن يشتمل على ثلاثة أشياء التوحيد والأخبار والديانات. ولهذا كانت سورة الإخلاص ثلثه؛ لأنها تشمل التوحيد كله.
وقال علي بن عيسى: القرآن يشتمل على ثلاثين شيئا؛ الأعلام والتنبيه والأمر والنهي والوعيد، ووصف الجنة والنار، وتعليم الأقرار بسم الله وبصفاته وأفعاله، وتعليم الإعتراف بإنعامه، والإحتجاج على المخالفين، والرد على الملحدين، والبيان عن الرغبة والرهبة، والخير والشر، والحسن والقبيح، ونعت الحكمة وفضل المعرفة، ومدح الأبرار وذم الفجار، والتسليم والتحسر، والتوكيد والتفريع. والبيان عن ذم الإخلاق، وشرف الآداب، وعلى التحقيق أن تلك الثلاثة التي قالها ابن جرير. تشمل هذه كلها بل أضعافها فإن القرآن لا يدرك ولا تحصى عجائبه.
وأنا أقول: قد اشتمل كتاب الله على كل شيء، أما أنواع العلوم، فليس فيها باب ولا مسألة هي أصل إلّا وهي في القرآن الكريم، وفيه ما يدل عليها، وفيه عجائب المخلوقات، وملكوت السموات والأرض، وما في الأفق الأعلى، وتحت الثرى، وبدء الخلق، وأسماء مشاهير الرسل، والملائكة، وعيون أخبار الأمم، كالأخبار بقصة آدم مع إبليس في إخراجه. من الجنة، ورفع إدريس وإغراق قوم نوح، وقصة عاد الأولى والثانية، وثمود، والناقة وقوم يونس، وقوم شعيب، والأولين والآخرين، وقوم لوط، وقوم تبع، وأصحاب الرس، وقصة إبراهيم في مجادلته قومه، ومناظرته نمروذ. ووضعه ابنه إسماعيل مع أمه
(١) كذا في الأصل، وبما أن البيت الثاني قافيته بائية فالصواب أن يقال: ثاقبا.