ومع ذلك لم يبلغ مجموع ما في تصانيف من صنف عشرة آلاف، وسبب ذلك أن الناس في القرون الأولى، لم يعتنوا بالتدوين في عددهم وضبطهم، ولكن بعلمك مقدار ما كان الأئمة يحفظونه تعلم مقدار السنة على وجه التقريب، ففي شرح بديعية البيان للحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي: أول محفوظ المحدثين من المتقدمين، كما قال أبو بكر عبد الله بن أبي شيبة: من لم يكتب عشرين ألف حديث إملاء لم يعد صاحب حديث اهـ.
وفي القوت للإمام أبي طالب المكي قيل للإمام أحمد بن حنبل: إذا كتب الرجل مائة ألف حديث له أن يفتي؟ قال: لا. قيل فمائتي ألف حديث؟ قال: لا. قيل فثلاثمائة ألف حديث؟ قال: أرجو اهـ انظر اهـ ١٤٧ من ج ١.
وفي ثمار مشتهى العقول في منتهى النقول، للأسيوطي كان أبو زرعة يحفظ ألف ألف حديث، والبخاري حفظ عشرها مائة ألف حديث، والكل من بعض محفوظ الإمام أحمد بن حنبل اهـ.
وقال عبد الوهاب الوراق؛ كما في غذاء الألباب: ما رأيت مثل أحمد بن حنبل.
قالوا: وأي شيء بان لك من فضله وعلمه، على سائر من رأيت؟ قال: رجل سئل عن ستين ألف مسألة. فأجاب فيها بأن قال: حدثنا وأخبرنا، وروينا، وإلى هذا أشار الإمام الصرصري في لاميته بقوله:
حوى الف ألف من أحاديث أسندت ... وأثبتها حفظا بقلب موصّل
أجاب على ستين ألف قضية ... بأخبرنا لا من صحائف نقل
قال السفاريني في ص ٣٥٩ من ج ٢ وهذه لا يعلم أحد من أيمة الدنيا فعلها ونقل في ص ٣٦٩ من ج ٢ عن صيد الخاطر لابن الجوزي؛ أن الإمام أحمد دار الدنيا مرتين حتى جمع المسند اهـ وذكر في محل آخر؛ أن مسنده ثلاثون ألف حديث غير المكرر، والتفسير مائة وعشرون ألفا. وذكر في محل آخر أنه ذكر غير واحد من الحفاظ منهم ابن حجر العسقلاني أنه لم يحط أحد بسنة المصطفى عليه السلام غير الأمام أحمد بن حنبل.
قال السفاريني: وهذه منقبة امتاز بها عن سائر هذه الأمة، وعمن مضى، وعمن بقي من الأيمة اهـ من ص ٢٥٨ من ج ١ من شرح منظومة الآداب قلت: وانظره مع ما نصّوا عليه؛ من أن الحاكم الذي هو لقب المحيط بالسنة، لم يوجد ولا يوجد. وانظر أبن نص على ذلك الحافظ فهو في عهدته ولكن الناقل أمين، وفي كشف الظنون لدى كلامه على جمع الجوامع: لا مجال إلى دعوى الإحاطة والاستيعاب، لتعذر الوصول إلى جميع الروايات والمسموعات اهـ.