وقد قال الحافظ الأسيوطي أول تدريب الراوي له ص ٨: ومما روي في قدر حفظ الحفاظ قال أحمد بن حنبل: انتقيت المسند من سبعمائة ألف وخمسين ألف حديث. وقال أبو زرعة الرازي: كان أحمد يحفظ ألف ألف حديث قيل له وما يدريك؟ قال: ذاكرته، فأخذت عليه الأبواب وقال يحيى بن معين: كتبت بيدي ألف ألف حديث. وقال البخاري:
أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح. وقال مسلم: صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنته كتاب السنن. وقال الحاكم في المدخل: كان الواحد من الحفاظ يحفظ خمسمائة ألف حديث. سمعت أبا جعفر الرازي يقول: سمعت أبا عبد الله بن وارة يقول: كنت عند إسحاق بن إبراهيم بنيسابور، فقال رجل من أهل العراق: سمعت أحمد بن حنبل يقول: صح من الحديث سبعمائة ألف. وهذا الفتى يعني أبا زرعة قد حفظ سبعمائة. قال البيهقي: أراد ما صح من الأحاديث وأقاويل الصحابة والتابعين اهـ.
قلت: رحم الله الحافظ البيهقي فقد أزال عن القلب غمة، ورفع عن الدين أكبر وصمة بهذه الإفادة التي شرح فيها هذه المقالة، فإن كثيرا من المتفقهين الآن يقولون: مع تكفل الله بالدين، أين هذا المقدار من السنة الآن؟ فهل لم يدون؟ فبيّن البيهقي أن مرادهم بهذه الأعداد العظيمة ما يشمل السنة وآثار الصحابة والتابعين، أو أنهم كانوا يريدون طرق الحديث المتنوعة، فيجعلون كل طريق حديثا، وكل حديث له طرق وروايات، فمرادهم بهذا العدد العديد طرق الحديث الواحد العديدة، ورواياته المتنوعة، وقد يكون الحديث واحدا ولكن باعتبار طرقه، واختلاف الفاظه وتعدد من رواه؛ يعدّ الحديث الواحد بالمائة؛ لأنهم كانوا يقولون: لو لم نكتب الحديث من عشرين وجها ما عرفناه.
وفي صدي الخواطر للحافظ ابن الجوزي في فصل ١٧٥: جرى بيني وبين أصحاب الحديث كلام في قول الإمام أحمد: صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعمائة ألف حديث، فقلت له: إنما يعني به الطرق. فقال: لا المتون. فقلت: هذا بعيد التصور، ثم رأيت لأبي عبد الله الحاكم في كتاب المدخل إلى كتاب الإكليل كلاما فعجبت كيف خفي هذا على الحاكم، وهو يعلم أن أجمع المسانيد الظاهرة مسند أحمد وقد طاف الدنيا مرتين حتى حصله، وهو أربعون ألف حديث منها: عشرة آلالف مكررة قال أحمد: جمعته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألف حديث. أفترى يخفى على متيقظ أنه أراد غير الطرق؟ فإن السبعمائة ألف إن كانت كلام النبي صلى الله عليه وسلم فكيف ضاعت ولم أهملت؟ وقد وصلت كلها إلى زمن أحمد، فانتقى منها ورمى الباقي، وأصحاب الحديث قد كتبوا كل شيء من الموضوع والكذب، ولا يحسن أن يقال: إن الصحابة الذين رووها ماتوا، ولم يحدثوا بها التابعين.
فإن الأمر قد وصل إلى أحمد وما كان الأمر ليذهب هكذا عاجلا.
ومعلوم أنه لو جمع الصحيح والمحال الموضوع وكل منقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما