وما استظهره في الكتاب الذي محاه ابن عباس، أنه كان على هيئة درج أصله للنووي، كما نقله السنوسي عنه في إكمال الإكمال، وكأنه رحمه الله لم يستحضر ما في الصحيح في باب: كتابة العلم عن أبي جحيفة قال: قلت لعلي: هل عندكم كتاب؟ قال: لا إلا كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة. قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال العقل وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر اهـ. قال الحافظ في الفتح: وقوله الصحيفة أي الورقة المكتوبة، وللنسائي من طريق الأشتر: فأخرج كتابا من قراب سيفه قوله: العقل، أي الدية، والمراد أحكامها، ومقادريرها، وأصنافها، ووقع للبخاري «١» ومسلم: من طريق يزيد التيمي عن علي قال: ما عندنا شيء نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة، فإذا فيها: المدينة حرام الحديث ولمسلم عن أبي طفيل عن علي: ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء، لم يعم به الناس كافة، إلا ما في قراب سيفي هذا وأخرج صحيفة مكتوب فيها. لعن الله من ذبح لغير الله. الحديث. [ج ٢/ ١٥٦٧ كتاب الأضاحي] .
وللنسائي [كتاب القسامة ١٠ ص ١٩/ ٨] من طريق الأشتر وغيره عن علي، فيها:
المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم. الحديث، ولأحمد من طريق طارق بن شهاب: فيها فرائض الصدقة، والجمع بين هذه الأحاديث، أن الصحيفة كانت واحدة، وكان جميع ذلك مكتوبا فيها، فنقل كل واحد من الرواة ما حفظه انتهى ملخصا.
قال البدر الدماميني، في المصباح: على قوله: أو فهم أعطيه رجل قال ابن المنير:
يعني بالفهم: التفقه والإستنباط والتأويل، وانظر هل يقتضي لفظه أن الفقه كان مكتوبا أولا؟
والظاهر أنه كان مكتوبا عندهم، لأن السائل قال لهم: هل عندكم كتاب؟ قال: لا إلا كتاب الله، أو فهم أو هذه الصحيفة. وكانت فيها أحاديث وأشياء من الفقه، والكتاب يدل على أن الفهم الذي هو الفقه كان حينئذ كتابا، وإلا كان استثناء من غير الجنس قطعا فالمعطوف منها مثلها أيضا وهو مرفوع. والإستثناء من غير الجنس لا يكون إلا فيه منصوبا، فيكون ذلك أصلا في كتابة الفقه اهـ.
وانظر ما يأتي عن ابن ليون في كون أبي الأسود الدؤلي: أمره علي أن يضع علم النحو.
وفي ترجمة الحسن البصري من طبقات ابن سعد ص ١١٥ من ج ٧ قال يحيى بن سعيد القطان في أحاديث سمرة يعني ابن جندب التي يرويها الحسن عنه: سمعنا أنها من كتاب، وفيها أيضا عن حميد قال: كان علم الحسن في صحيفة مثل هذه، وعقد عفان، بالإبهامين والسبابتين. وفي ترجمة منها أيضا أخبرني موسى بن اسماعيل ثنا سهل بن حصين عن مسلم الباهلي قال: بعثت إلى عبد الله بن الحسن بن أبي الحسن ابعث إلي
(١) انظر في البخاري كتاب العلم ج ١ ص ٣٦ باب ٣٩. وكتاب الجزية والموادعة ج ٤ ص ٦٧ باب ١٠، و ١٧ ص ٦٩.