أبو المواهب جعفر بن ادريس الكتاني في فهرسته، وتلميذه المطلع المحدث، أبو عبد الله محمد المدني ابن جلون، في كناشته أنه نقل من خط شيخ الأول قاضي الجماعة بفاس شارح تيسير ابن الدّيبع أبي محمد عبد الهادي بن عبد الله العلوي المدغري، أن جده العلامة مولاي التهامي، نظم تركة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في قوله:
قد خلف الرسول تسعا تعرف ... سجادة وسبحة ومصحف
وقفتان، وسواك وحصير ... مشط ونعلان وابريق منير
واضعها مكتوبة في منزله ... يدوم أمن أهله ونزله
فعد منها المصحف والسبحة، وربما يستغرب ذلك، ويستنكر أما المصحف فلما اشتهر، وتقرر أن أبا بكر أول من جمع القرآن، فلعله أراد بالمصحف المعدود من المتخلفات النبوية؛ تلك الصحف التي كان يكتب فيها القرآن، وقت نزوله من عظم ونحوه، وقد قال ابن سعد في الطبقات: إن عمر أول من جمع القرآن في المصحف اهـ ص ٢٠٢ من ج ٣ من القسم ١.
وقال الخزاعي في فصل: إن عمر أول من دوّن الدواوين، وقد كان أبو بكر جمع القرآن في صحف، وبقيت تلك الصحف عند حفصة أم المؤمنين، إلى زمن عثمان ذكر ذلك أبو محمد بن عطية وغيره، وكان جماعة من الصحابة قد جمعوه أيضا قبل ذلك، ومن أشهرهم عبد الله بن مسعود.
قال أبو عمر ابن عبد البر: إن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب وهو بعرفات فقال:
جئتك من الكوفة وتركت بها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلب، فغضب لذلك عمر غضبا شديدا، وقال: ويحك من هو؟ قال: عبد الله بن مسعود. فذهب عنه ذلك الغضب، وسكن إلى حاله. وقال: والله ما أعلم من الناس أحدا هو أحقّ بذلك منه اهـ.
وقالوا: إن عثمان حين أكمل كتب المصحف أمر بانتزاع ما عند الصحابة من المصاحف، فانتزعت إلا مصحف عبد الله بن مسعود اهـ.
فهذا يدل على أنه كانت مصاحف جمعت قبل مصحف عثمان، وإنما نسبوا ذلك له، لأنه المصحف الذي بعث نسخه إلى الأمصار، وابتهج المسلمون به في جميع الأقطار اهـ.
ثم بعد كتبي هذا بمدة وجدت بخط سيدنا الخال رحمه الله إثر الأبيات السابقة ما نصه: والمراد بالمصحف ما جمعه الصحابة، مما بين الدفتين أي اللوحين من القرآن، وفي البخاري: باب من قال: لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما بين الدفتين، ثم ذكر بسنده إلى ابن عباس، وابن الحنفية، أنه لم يترك إلا ذلك، لأنه جمع في الصحف ثم جمعت تلك الصحف في المصحف بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فكان التأليف في الزمن النبوي والجمع في الصحف في زمن الصديق، والنسخ في المصاحف في زمن عثمان. وقد كان القرآن كله مكتوبا في