وفي تحفة الناظر للعقباني، نقلا عن جامع المستخرجة قال؛ وحدثني أنه بلغه أن ابن مسعود كان يقول: إذا لم يحكم أحدكم الفرائض، وسنة الحج والطلاق، فما فضله على أهل البادية؟.
قال ابن رشد: المعنى في هذا بيّن. لأن أهل البادية أهل جهالة، فإنما فضلهم أهل الحاضرة بمعرفتهم بأمور الدين، قال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ [المجادلة: ١١] اهـ.
وقال ابن العربي في الأحكام: كان علم الفرائض جل علم الصحابة، وعظيم مناظرتهم، وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف العلم. مبالغة في الثناء على عظيم فائدته، وتحريكا للنفوس على المبادرة إلى تحصيله، حتى كأنه بشرفه نصف جميع ما يتعلم من العلوم، وروى أصحاب مالك عنه أنه قال: لا يكون الرجل عالما مفتيا حتى يحكم الفرائض والنكاح، والطلاق والإيمان، قال ابن العربي: إشارة إلى عظم منازل هذه الأصول في الدين، وعموم وقوعها بين المسلمين. وقال المتيطي [كذا] في نهايته بعد ذكر بعض الأحاديث: وقد حض على تعليم الفرائض جماعة من الصحابة والتابعين اهـ.
وقال أبو إسحاق إبراهيم بن أبي بكر التلمساني: الرسقي نزيل سبتة، في رجزه في الفرائض المشهور رحمه الله:
وخصّنا بالمصطفى محمد ... هادي الأنام للطريق الأرشد
فبيّن الحلال والحراما ... وفصّل الحدود والأحكاما
وحضّ في تعليم علم الفرض ... صلّى عليه الله أيّ حضّ
وقال في ذاك: تعلموه ... ثم جميع الناس علّموه
جعله من العلوم شطرا ... فهو أجل كل علم قدرا
وهو الضروري بلا محالة ... أرى عليّ فرضا انتحاله
إذ ليس يخلو الدهر بالحدوث ... من وارث في الناس أو موروث
قال الإمام أبو يوسف يعقوب بن موسى السيتاني في شرحها: وقوله عليه السلام:
نصف العلم؛ مما يدل على تأكيدها على غيرها، من سائر العلوم سواها وتشريفها عليها، ولأجل أنها بهذه المنزلة الشريفة أمر الإنسان ببذل المجهود في تحصيلها، وأمر أيضا بعد تحصيلها ببذلها لجميع الناس. ثم قال: أورد على قوله عليه السلام: نصف العلم سؤالان.
أنه قال في الفرائض: إنها نصف العلم، وقال حسن السؤال نصف العلم، «١» والشيء لا يكون له أكثر من نصفين؟ والذي بقي أضعاف ما اندرج بكثير. وثانيهما: أن مسائل
(١) ورد في كشف الخفاء هذا الحديث هكذا: (الاقتصاد في النفقة نصغ المعيشة والتودد إلى الناس نصف العقل، وحسن السؤال نصف العلم) وعزاه للبيهقي والعسكري وغيرهما عن ابن عمرو مرفوعا وضعفه البيهقي. الخ ما علق عليه.