الفرائض بالنسبة إلى مسائل الفقه لا تفي بعشرها؛ فضلا عن مسائل غير الفقه من سائر العلوم الشرعية.
وأجيب عن الأولين بوجهين: أحدهما: أن قوله عليه السلام: حسن السؤال نصف العلم، جاء باعتبار السائل والمسؤول، وهذا الحديث باعتبار الفرائض مع غيرها، فلم يتواردا على محل واحد الوجه الثاني: إن هذا مجاز على جهة التشريف والمبالغة في الحث عليها، كقوله عليه السلام: الحج عرفة، وقوله: الهم نصف الهرم، والتدبير نصف العيش، والقود نصف العقل، تنبيها على عظم هذه الأشياء، وموقعها مما نسبت إليه. قال القرافي: وقد أورد هذا السؤال على فرضي قليل التصرف، فلم يجد ما يجاوب به. وأجيب عن الثاني بوجهين:
أحدهما إن علم الفرائض لما كان عظيم المنفعة، تمس الحاجة إليه أكثر مما تمس إلى غيره، وإن كان صغير الجرم فهو يساوي ما عداه، مما هو أكثر مسائل. وهذا من المحسوسات كثير. وثانيها: أن ما أمر به الإنسان شيئان؛ شيء في الحياة وشيء بعد الممات. فهو نصف بهذا الاعتبار، وأورد عليه أن الذي يتوجه عليه الخطاب بعد الموت ليس الفرائض وحدها، بل مع الوصايا النظرية والمالية ومسائل الجنازة، وأجيب بأنا نلتزم بأنها من حق الفرض أن يتكلم فيها، وإنها من جملة الفرائض، أو يقال: الوصية ليست مما يتوجه [يتوجب] بعد الموت. وإنما يتوجه بعد الموت انفاذها. وأما إنشاؤها فقبل الموت، وأيضا فليست بلازمة في كل حال؛ بخلاف الميراث. وما في كتاب الجنائز إنما يتعلق بالأحياء وردّ بأن تعلّم الفرائض إنما يتوجه إلى الحيّ وما يفعل بالميت وماله، إنما يخاطب به الحق. وهذا كله تكلف، والأولى أن يقال: هذا على وجه المبالغة؛ كالحج عرفة، ونظائره.
وقال بعض المتأخرين: وأظنه لم ير كلام القرافي: يحتج الأكثر من أهل هذا الفن على فضله بالحديث عن أبي هريرة، بناء على أن الفرائض فرض الوارث، والذي يظهر أن هذا الحمل بعيد. وأن المراد إنما هو الفروض التكليفية في العبادات والعادات وغيرهما، وبهذا المعنى تصح النصفية والثلثية، ثم الاعتراض الثاني، ثم قال: ويتعين المراد أن حمله على هذا الفن المخصوص، وتخصيصه بفروض الوراثة إنما هو إصطلاح ناشىء عند حدوث الفنون والاصطلاحات، ولم يكن صدر الإسلام يطلق إلا على كونه مشتقا من الفرض، الذي هو لغة التقدير. أو القطع. وما كان المراد إلا جميع الفروض كما قلناه، وهي حقيقته الشرعية، فلا ينبغي أن يحمل إلا على ما كان يحمل عليه في عصرهم. فهو الأليق بمرادهم. هذا نص كلامه. وظاهره أن أهل الفرائض بل بعضهم اختصوا بجلب هذا الحديث، وليس كما قاله بل جلبه ابن ماجه، وكثير من المحدثين والفقهاء والمفسرين والموثقين، وكلهم جلبوه في مقدمة كتاب الفرائض بلفظه أو معناه، وأتوا بعد ذلك باثار عن الصحابة والتابعين، تدل على هذا. وفيها لفظ الفرائض، وكلهم أطلقها على فرض الوراثة وهم أعلم منه بالإطلاق اللغوي والشرعي اهـ كلام أبي يوسف السيتاني.