للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمجذومين، فيه فائدة عظيمة، وهي أن الطبيعة نقالة، فإذا أدام النظر إلى المجذوم خيف عليه أن يصيبه ذلك بنقل الطبيعة، وقد جرب بين الناس أن المجامع إذا نظر إلى شيء عند الجماع، وأدام النظر إليه انتقل منه صفته إلى الولد. وذكر البيهقي وغيره أن المصطفى تزوج امرأة من غفار، فدخل عليها فأمرها فنزعت ثيابها، فرأى بياضا عند ثديها، فانحاز النبي صلى الله عليه وسلم عن الفراش، فلما أصبح قال: إلحقي بأهلك، وحمل لها صداقها اهـ.

وفي الهدي النبوي لابن القيم أيضا، وسفر السعادة للمجد الفيروز آبادي: لم يجمع صلى الله عليه وسلم بين سمك ولبن، ولا بين لبن وشيء من الحوامض، ولا بين غذاءين حارين، ولا باردين لزجين، ولا بين قابضين، وقابض ومسهل، ولا مسهلين، ولا بين غليظين، ولا بين سريع الهضم وبطيئه، ولا بين مشوى ومطبوخ، ولا بين قديد ورطب، ولا بين الحليب والبيض، ولا بين اللحم والحليب، ولا أكل طعاما بائتا، ولا ما فيه عفونة من الأطعمة، ولم يثبت أنه تناول شيئا من الملوحات والمخللات، وثبت أنه شرب الحليب المشوب بالماء، وماء التمر المنقع للهضم، والعسل الممزوج بماء بارد في غاية البرودة اهـ.

وانظر بسط الكلام على ماكله صلى الله عليه وسلم وما يتعلق بذلك في المناهج السنية للفاكهي، وتأليف سيدنا الوالد في السنة تر عجبا عجابا. ومن المهاثرة ما ذكره الفيلسوف ابن خالدون في مقدمة تاريخه حين فصل أنواع الطب ومستنداته قال: وللبادية من أهل العمران طب بنوه في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص، متوارثة عن مشايخ الحي وعجائزه، وربما يصح فيه البعض إلا أنه ليس على قانون طبيعي، ولا موافقة المزاج. وكان في العرب أطباء من هذا القبيل معروفون، كالحارث بن كلدة وغيره، والطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل، وليس من الوحي في شيء، وإنما هو أمر كان عاديا عند العرب اهـ كلامه الخشن.

ولله در العلامة الشيخ عبد الهادي الأبياري المصري، إذ قال إثره في سعود المطالع ص ١٥٥ ج ٢ ما نصه: وأقول: هذه هفوة لا ينبغي النظر إليها، كيف وقد قال عليه السلام للمبطون الذي أمره بشرب العسل، فلم ينجح: صدق الله وكذب بطنك اهـ.

وإذا قرأت كلام الشيخ داود الذي سقناه لك أولا تعلم أن عقيدته في هذه المسألة أسلم مما لابن خالدون، والجواد قد يكبو والكمال لله.

ولنختم هذا المبحث بلطيفة ذكرها السيوطي في الإكليل، نقلا عن كتاب العجائب للكرماني، قال طبيب نصراني لعلي بن الحسين: ليس في كتابكم من علم الطب شيء، والعلم علمان علم الأبدان وعلم الأديان فقال له: جمع الله الطب في نصف آية، وهي قوله: كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا [الأعراف: ٣١] ، فقال الطبيب: ما ترك كتابكم لجالينوس طبا اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>