ألفت في القرن الثاني والثالث والرابع والخامس، مع أنها أجدر بالإهتمام؛ لإفادتها وقلتها في الوجود، فأخاف إن دام طرف أصحاب المطابع مغضوضا عنها أن تضيع بالكلية وتنعدم، فإن أكثر الموجود منها على قلته تخرّق وكاد يضمحل وأني أندب الكتّاب وأصحاب الهمم إلى الكتابة في هذا الموضوع الهام، وهو تحريض أصحاب المطابع على نشر الكتب القديمة الإسلامية، التي كادت تضمحل، وذلك بتكوين لجنة أولية تجمع أساميها وعناوينها ومحلات وجودها، ثم السعي في نشر الأهم، والأقدم، والأندر منها، والله الموفق.
ولكن وإن أحرق ما أحرق، ونهب ما نهب، وحجر ما حجر، وأخفي ما أخفي، فالأصل الأصيل لتفاصيل المدنية الإسلامية القرآن الكريم الذي جمع فأوعى، وكان حفظه الذي لا ينسى على ممر الدهور، السبب العظيم لحفظ ضوابط تلك المدنية الإسلامية، وقد حازت منه الأمة المغربية أوفر الحظوظ، حتى قالوا: إن القرآن نزل بلغة العرب ففسره العجم، وحفظه المغاربة ونطق به أهل مصر، وأحسن الإستماع له الترك، وعمل بالقسم الآخروي منه أهل اليمن. ومنذ نزل القرآن هذه مدة من أربعة عشر مائة سنة، والناس يستنبطون منه، ويستخرجون على إختلاف المدارك والغايات، والحظوظ، والفنون العلمية، والأخلاقية والقانونية والتاريخية والفلسفية، وهو إلى الآن بحر لا ينفد، ولا تنقضي عجائبه.
ومن بديع أمر القرآن الدال على أنه منبع الترقي والحضر، والإستعمار بمعناه اللغوي، أنك لا تجد اليوم حادثة في باب من أبواب العلوم الكونية إلا ويمكن أن تستخرجها أو ما يدل عليها من القرآن، وقد قام بهذا القسط اليوم من أهل الإسلام من شعروا بالغاية القصوى فيه، من أهل مصر، والشام، والعراق، فتجردوا لإستخراج فرائده، وإستيعاب مضامينه على حسب حاجات هذا العصر، وما يروج فيه مما هو في الحقيقة من العلوم الإسلامية، ولكن أعطي صبغة أخرى، وشكلا آخر، فقام كاتب حكيم في دمشق الشام وهو الأستاذ محمد بن أحمد الإسكندراني يستخرج منه العلوم الطبيعية، وما في الأرض من أسرار المياه، ومجاريها والأحجار وفوائدها، والنباتات وحكمها وخواصها، وكتابه هذا في غاية الإبداع، إشتمل على ثلاث مجلدات سماه: كشف الأسرار النورانية القرآنية فيما يتعلق بالأجرام السماوية والأرضية والحيوانات والنباتات والجواهر المعدنية، طبع سنة ١٢٩٩. وقام العلامة الفلكي الكبير المرحوم أحمد مختار باشا التركي فألف كتاب:«موافقة الآي القرآنية للعلوم الفلكية» جمع فيه نحو سبعين آية.
وقام ضابط تركي من النابغين في الفلك والهيئة فألف كتابا في تطبيق قواعد هذا العلم على القرآن الكريم أيضا.
وما ألف أجمع ولا أوسع في هذا الباب من كتاب صديقنا الاستاذ العلامة عالم مصر الشمس محمد بن بخيث المطيعي الحنفي، وهو مطبوع في مجلد. وقام كاتب في مصر