وهو الشيخ طنطاوي جوهري جرّد وجهته إلى العلوم الفلكية، وإستخراجها منه، والشمس وشعاعها، والقمر وضيائه، والسماء ونجومها، في كتابه نظام العالم، والأمم، وكتابه نهضة الأمة، وحياتها وكتابه: ميزان الجواهر، وكتابه: جمال العالم.
وقام فريد وجدي الكاتب البحاث البارع في مجلة الحياة، وكتابه كنز العلوم واللغة، وكتابه دائرة المعارف، وكتابه الإسلام والمدنية، وتفسيره ومقدمته، صفو العرفان بإستخراج العلوم النفسية والقوانين الإجتماعية والعلوم العمرانية من القرآن وجواهره.
وقام عالم شيعي اسمه هبة الله الشهرستاني من أهل عصرنا، بكتابه المسمى الهيئة والإسلام إفتتحه بمقدمات هامة سدّ بها فراغا عظيما في باب العلوم الفلكية أيضا، وما أحسنه وأسهل مأخذه.
وألف صاحبكم «١» هذا كتابه في إقامة أصول الكهرباء والبخار ونتائج العلم بهما من تسيير القطارات والأتوموبيلات والغواصة البحرية والمنطادات الجوية، ومن الكتاب والسنة، سميته اليواقيت الثمينة في الأحاديث القاضية بظهور سكة الحديد ووصولها إلى المدينة، وقد طبع بالجزائر سنة ١٣٢٩- ١٩١١ وبلغني أنه ترجم لللغة الفرنسية.
ومن عجيب أمر القرآن والسنة أنهما لا يحجران علينا الأخذ بما لم يوجد فيهما صراحة ونصا، مما يصلح للزمن القابل، لأن الدين تكفل بتأييد مبادي الرقي، وجميع مشاريع العمران، فلم يحجر علينا إلا الأخذ بما يضر من آداب وأخلاق الأمم الآخرى، أما ما ينفع الناس، وظهرت فائدته فحاشا الدين الإسلامي أن يقوم عثرة في طريقه.
وفي العتبية قال مالك بن أنس: إن عمر بن عبد العزيز قال: «سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر من بعده سننا الأخذ بها إتّباع لكتاب الله، واستعمال لطاعته، وقوة على دين الله، ليس لأحد تبديلها، ولا تغييرها، ولا النظر في شيء يخالفها، من اهتدى بها مهتد، ومن إنتصر بها منصور. ومن تركها اتّبع غير سبيل المؤمنين، وتولّاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا.
قال ابن رشد في البيان والتحصيل: إتباع ما سنّوه إتباع لكتاب الله اهـ.
وإنما تتوهم المباينة من قصور أو تقصير الباحث المتصدي، أو قل الجمود على المبادي، والجمود ضد الإسلام، وعلى هذه الطريقة جرت الأمم الإسلامية، بالأخذ بالأحسن فالأحسن، وقت مدنيتها الزاهرة بقرطبة، وفاس، والقيروان، وبغداد، وقزوين، فلذلك، لم تكن إختراعاتهم تقف عند حدّ، وطرقهم لباب الرقي لم يكن يقف في وجوههم سدّ، فأتوا من ذلك وقت ما كانت أوروبا في نومها العميق، ما صيّرهم قدوة لغيرهم، واعترف لهم بذلك فطاحلة المؤرخين من غيرهم.