ولننقل لك بحثا للمؤرخ سيدليو السابق الذكر في كتابه خلاصة تاريخ العرب، الذي ترجمته إدارة المعارف المصرية وطبعته سنة ١٣٠٩ هـ ١٨٩٠ م قال فيه:
المبحث السابع عشر في إختراعات العرب، وإستكشافاتهم بيت الإبرة، وصناعة الورق، والبارود، والأسلحة النارية.
أسلفنا لك وصف الأسباب والمسببات المتعلقة بالتمدن المنتشر في الدنيا، بإنتشار العرب، من إبتداء بوغاز جبل طارق، إلى نهاية حدود آسيا. وبقي علينا التكلم على ما تغيرت به الحالة الأدبية والسياسية والعسكرية في جميع الدنيا، من إختراع العرب الورق، وبيت الإبرة وبارود المدافع، ولا عبرة ببعض الأفرنج الذي سلب عن العرب شرف إختراعها وتعليمها لأوروبا، زاعما أنّ أهل الصين عرفوا تلك الأشياء، منذ زمان قديم، عملا بما أطلع عليه من نسبته لغيرهم، في بعض متون موهومة العزو إلى من نسبت إليه، كما زعم أنّ المطبعة كانت موجودة لدى أهل الصين، منذ القرن الثامن من الميلاد، نعم، إستفاد العرب عمل الورق من الحرير من أهل الصين، الذين لو كانوا يعرفون صناعة الطبع قبل غيرهم لإستفادها العرب منهم، وكيف يظن أنهم إستعملوا بيت الإبرة، مع أنهم لم يزالوا إلى سنة ١٨٠٠ ميلادية يعتقدون أنّ القطب الجنوبي من الكرة الأرضية سعير تتلظّى، وهل عرفوا إستعمال البارود وتلك الإستعمالات المتنوعة الباقي أثرها لدى العرب، المشهود لهم بإستعمالها أصنافا من القلل [الفنابل] في حصارهم مكة «١» سنة ٦٩٠ ميلادية، وإستعمالهم بمصر في القرن الثالث عشر البارود المستخرج من ملح النجاة، ليرمى به نحو قلل ذات صوت كالرعد، وذكر استعماله في وصف معرض البحرية التي عقدها ملك تونس مع أمير أشبيلية في القرن الحادي عشر، كما استعمل في حصار جبل طارق سنة ١٣٠٨ ميلادية، وحصار إسماعيل ملك غرناطة لمدينة بايطة سنة ١٣٢٤، وحصار طريفة سنة ١٣٤٠، أن الرصاص رمي بالبارود في تلك الحصارات، فابتدأ نصارى إسبانية يومئذ في استعماله، وقد استعمل العرب بيت الإبرة في ابتداء القرن الحادي عشر، في سفر البحر والبر، وضبط محاريب الصلاة، وصنع الورق من الحرير سنة ٦٥٠ ميلادية في سمرقند وبخارى، ثم استبدل يوسف بن عمر سنة ٧٠٦ ميلادية الحرير بالقطن الذي منه الورق الدمشقي، واستعمل ورق الغرب في الثالث عشر بقسطيلة، التي شاع منها استعماله في فرنسا وإيطالية وألمانية، وما أسلفناه هو كيفية تحكم العرب على جميع فروع تمدن أوروبا الحديث، ومنه يعلم أنه من القرن التاسع إلى الخامس عشر كان عند العرب أوسع ما سمح به الدهر من الأدبيات، وأن نتائج أفكارهم الغزيرة، وإختراعاتهم النفيسة، تشهد أنهم أساتذة أوروبا في جميع الأشياء، كالمواد المختصة بتاريخ القرون الوسطى، وأخبار السياحات والأسفار، وقواميس سير الرجال المشهورين، والصنائع العديمة المثال، والأبنية الدالة على
(١) المشهور أن المسلمين في عصر النبوة حاصروا الطائف ورموها بالمنجنيق مصححه.