محنكين ودهاة وحماء سياسيين وعمال أمناء إداريين، حتى قال القرافي في الفروق ص ١٦٧ من الجزء ٤:
«أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا بحارا في العلوم على اختلاف أنواعها، من الشرعيات والعقليات والحسابيات، والسياسيات والعلوم الباطنة والظاهرة، حتى يروى أن عليا جلس عند ابن عباس في الباء من بسم الله، من العشاء إلى أن طلع الفجر، مع أنهم لم يدرسوا ورقة ولا قرأوا كتابا، ولا تفرغوا من الجهاد وقتل الأعداء، ومع ذلك كانوا على هذه الحالة حتى قال بعض الأصوليين: لو لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة إلا أصحابه لكفوه في إثبات نبوته» .
وقد أفرد فضائلهم بالتأليف جماعة من أيمة السلف؛ كأبي محمد خيثمة بن سليمان الطرابلسي، وأبي محمد طراد بن محمد الزينبي، وأبي القاسم حمزة بن يوسف الجرجاني، وأحمد بن محمد بن المهندس، وأبي الحسن أحمد بن حمزة الموازيني.
وأفرد فضائل الخلفاء الأربعة فقط أبو نعيم الأصبهاني وأبو الحسن أحمد بن محمد بن زنجويه.
وفضائل أبي بكر لأبي طاهر محمد بن علي العشاري وفضل أبي بكر وعمر لأسد بن موسى.
وفضائل العباس لأبي الحسن محمد بن المظفر الحافظ ولأبي محمد حمزة بن يوسف السهميّ ولأبي القاسم إسماعيل بن أحمد السمرقندي. وفضائل معاوية لأبي بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم.
وفضائل العشرة المحب الطبري وهو مطبوع. ولأبي الحسن مروان بن عثمان المكي قصيدة في فضل الصحابة ولأبي علي الحسن بن محمد الخلال الحافظ كتاب كرامات الصحابة وللضياء محمد بن عبد الواحد المقدسي مناقب جعفر بن أبي طالب وللموفق بن قدامة المقدسي الاستبصار في أنساب الأنصار.
وكان العلم الذي تعلموه في مدرسة القرآن والسنة أصبحوا به لا ندّلهم في كل رجال العصر، بل والأعصر بعد الذي كانوا فيه، سواء في الحكمة التي ساسوا بها الشعوب، أو في القوة التي سادوا بها على الممالك، ذلك العلم الصحيح الذي لانت له في أسرع وقت القلوب، التي كانت بالأمس أقسى من الصخر، وأوعر من الوعر، فحلّ الوئام محل الخصام، والأخاء محل العداوة، والإحسان بدل التعدي والظلم، فلم تمض تلك المدة اليسيرة على تلك الشعلة النورية حتى عمّت أرجاء الكرة الأرضية، لا جرم لمّا كثر المستظلون بذلك اللواء، والمستكنون في أمانه، أراد عليه السلام أن يضبط أمورهم بنظامات سنّها، وولايات نصبها، وعمالات أسسها، تلك النظامات [الأنظمة] التي لا يستقيم ملك لملك ولا أمر لأمة بدونها.