للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم.

مُقَدّمَة

وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت وَإِلَيْهِ أنيب

الْحَمد لله الَّذِي دلّ على مَعْرفَته بإتقان صَنعته، وبديع لطائف حكمته، وَبِمَا أودعهُ نفوس المميزين من أَعْلَام ربوبيته، وَاسْتحق على كل مُكَلّف الخنوع لعظمته، والخشوع لعزته، وَالشُّكْر والإشادة بِمَا أَسْبغ من نعْمَته، وَنشر من رَحمته، وَجعل قُلُوب أوليائه تسرح فِي ميادين محَاسِن مَا ابتدعه، وعقولهم ترتاح لما من عَلَيْهِم من استنباط الْمعرفَة بِمَا اخترعه، فأغناهم بالتنعم بِمَا بسط لَهُم من الْمُبَاحَات، عَمَّا زجرهم عَنهُ من الْمَحْظُورَات، فَصَارَ مَا تُدْرِكهُ الْعُقُول من لطيف مَا أنشأه، وشريف الْغَرَض فِيمَا ابتدأه، وغريب أَفعاله فِي تَدْبِير عباده، وتصريفهم، وَتَقْدِير منافعهم ومصالحهم، أقواتاً لَهَا تربى على أقوات أجسادها الَّتِي هِيَ أوعية تشْتَمل عَلَيْهَا، وَأشْهد أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وليّ النعم كلهَا دون من سواهُ، وَأَنه لَا فلاح إِلَّا لمن هداه، وَلَا صَلَاح إِلَّا لمن عصمه من إتباع هَوَاهُ، وَأَن مُحَمَّدًا عَبده الَّذِي ارْتَضَاهُ، وَنبيه الَّذِي اخْتَارَهُ واجتباه، وَرَسُوله الَّذِي ائتمنه واصطفاه، وَرَفعه وَأَعلاهُ، وَخَصه بِخَتْم النُّبُوَّة وحباه، وأبانه بِأَعْلَى منَازِل الْفضل على كل آدَمِيّ عداهُ، ونسأله أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ وعَلى آله وَيسلم أزكى تسلم وَصَلَاة، ويكرمه أتم تكريم وأنباه، ويجعلنا من الآوين إِلَى ظله وذراه، والداعين إِلَى نوره وهداه، ويعصمنا من الْخُرُوج عَن طَاعَته، والولوج فِي مَعْصِيَته، ويوفقنا لإيثار عِبَادَته، ومجانبة عصيانه ومخالفته، وَهُوَ لي الإنعام بذلك، والتيسير لَهُ، والمعونة عَلَيْهِ من رَحمته.

أما بعد، فإنني مُنْذُ مُدَّة مَضَت، وسنةَ خلت، فَكرت فِي أَشْيَاء من عجائب خلق الله وَحكمه، وأياديه ونعمه، ومثلاته ونقمه، وَقد اكتنفتني هموم وأحزان، ولوعات وأشجان، وفنون شَتَّى من حوادث الزَّمَان، وَمَا قد فَشَا فِي النَّاس من التظالم التحاسد، والتقاطع والتباعد، وَأَن مَا هُوَ أولى بهم من الْأنس للمجانسة، قد فارقوه إِلَى الاستيحاش للمنافسة، وحصلت على الِاسْتِئْنَاس بالوحدة وَالْخلْوَة، ثمَّ تطلعت إِلَى جليس طَمَعا فِي أنس وسلوة، فأعوزني ذُو لب عَاقل، وَاتفقَ لي كل غبي جَاهِل، فلاح لي أَن أنشئ كتابا أضمنه أنواعاً من الْجد الَّذِي يُسْتَفَاد ويعتمد عَلَيْهِ، وَمن الْهزْل فِي أَثْنَائِهِ مَا يسر استماعه ويستراح إِلَيْهِ، فَإِن اخْتِلَاف الْأَنْوَاع يسهل النّظر فِيهَا، وينشط الْوُقُوف عَلَيْهَا، ويوفر الِاسْتِمْتَاع بهَا، وَأَن أضمنه علوماً غزيرة وآداباً كَثِيرَة، وأجعله مجَالِس موزعة على الْأَيَّام والليالي، وَلم اشْترط فِيهَا مبلغا من الْعدَد محصوراً وَلَا قدرا من الْمجَالِس مَحْظُورًا، ثمَّ إِن طوارق الزَّمَان وموانعه، وأحداثه وفجائعه، وعوائقه وقواطعه، وأهواله وفظائعه، حَالَتْ بَين وَبَين مَا آثَرته، وَنَفْسِي على هَذِه مُتَعَلقَة بِهِ، ومؤثرة لَهُ ومنازعة إِلَيْهِ، إِلَى حَيْثُ انتهينا، ثمَّ إِنَّنِي حملت نَفسِي فِي

 >  >>