وأصلا فِيهِ، وَأثبت الْهَاء فِيهِ آخَرُونَ زَائِدَة للسكت إِذا وقفُوا كَقَوْلِه أقتده، وكقولهم: ارمه وتعاله وحذفوها فِي الْوَصْل فَقَالُوا: يتسن وَأنْظر، وَزَعَمُوا أَنه من أسن المَاء. وَهَذَا التَّأْوِيل عندنَا غلط من متأوليه، وَذَهَاب عَن وَجه الصَّوَاب فِيهِ، وَلَو كَانَ على مَا توهموه لوَجَبَ أَن يُقَال لم يتأسن لِأَن الْهمزَة فِيهِ فَاء الْفِعْل. وَالسِّين عينه وَالنُّون لامه، وإشباع هَذَا فِي مَا ألفناه من حُرُوف الْقُرْآن مَعَانِيه. وَمن الآجن قَول عبيد بْن الأبرص.
يَا رب مَاء آجنٍ وردته ... سَبيله خَائِف جديب
ريش الْحمام على أرجائه ... للقلب من خَوفه وجيب
وَقَوله: خباط عشوات يَعْنِي الظُّلم. وَهَذَا الْفَرِيق الَّذين وَصفهم أَمِير الْمُؤمنِينَ من الجهلة الأراذل السفلة قد كَثُرُوا فِي زَمَاننَا وغلبوا على أَهله واستعلوا على علمائه والربانيين فِيهِ، وَإِلَى الله المشتكي. وَقد تظاهرت الْأَخْبَار عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " إِن الله لَا يقبض انتزاعًا ينتزعه من النَّاس، وَلَكِن يقبض الْعلم بِقَبض الْعلمَاء، حَتَّى إِذا لم يبْق عَالم، اتخذ النَّاس رُؤَسَاء جُهَّالًا فسئلوا فأفتوا بِغَيْر علم فضلوا وأضلوا ".
مَا أحوجك إِلَى محدرج
حَدثنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن دُرَيْد قَالَ أَخْبَرَنَا عبد الأول بْن مزِيد السَّعْدِيّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عدنان عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ ابْن عَيَّاش الْهَمدَانِي قَالَ: كَانَ الشّعبِيّ إِذا ابْتَدَأَ فِي حَدِيث أَحْبَبْت أَن لَا يقطعهُ من حسنه، قَالَ: فَإِنَّهُ ليتحدث يَوْمًا وَعِنْده خُنَيْس العلاك، قَالَ: فَقَامَ خُنَيْس فَقَالَ: مَا أبْغض إِلَيّ الْفَقِيه يكون جيد الْكَلَام، فَقَالَ الشّعبِيّ: من هَذَا؟ فَقَالُوا: خُنَيْس العلاك، قَالَ: وَمَا خُنَيْس؟ قَالَ: يَبِيع العلك، فَأقبل عَلَيْهِ وَقَالَ: وَيحك يَا خُنَيْس، مَا أحوجك إِلَى محدرج شَدِيد الإحصاد لين المهزة قد أَخذ من عجب ذَنْب عود إِلَى مغرز عُنُقه فَيُوضَع مِنْك على مثل ذَلِك الْموضع فتكثر لَهُ رقصاتك من غير جذل، قَالَ: مَا ذَاك؟ قَالَ: شَيْء لنا فِيهِ أرب وَلَك فِيهِ أدب.
شرح الْغَرِيب
قَالَ القَاضِي: قَوْله: محدرج أَي سَوط مُحكم جيد الفتل كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
أَخَاف زيادًا أَن يكون عطاؤه ... أداهيم سُودًا أَو محدرجة حمرًا
وَقَوله: شَدِيد الإحصاد أَي قد أحكم وَاشْتَدَّ، يُقَال حَبل محصد أَي موثق. وَقَوله: لين المهزة يصفه بالتثني إِذا هز، كَمَا قَالَ الشَّاعِر يصف رمحًا:
تقاك بكعب وَاحِد وتلذه ... يداك إِذا مَا هز بالكف يعسل
وَأما قَوْله: قد أَخذ من عجب ذَنْب عود فَإِن الْعود الْبَعِير المسن، وَعجب الذَّنب أَصله، وَهُوَ العصعص، وَيُقَال لَهُ القحقح. وَرُوِيَ عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: يبْلى من ابْن آدم كل شَيْء إِلَّا عجب الذَّنب فَإِنَّهُ مِنْهُ ركب وبدئ خلقه. وروينا عَن الشّعبِيّ هَذَا من طَرِيق
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute