فجَاء إِبْرَاهِيم إِلَى الرشيد فَأَخْبَرَه، فَقَالَ: إِذا قبض الرَّجُل مَاله فافتح أبوابه.
يُخَوِّف جَارِيَة بإهدائها لأصمعي
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْقَاسِمِ الْكَوْكَبِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن القَاسِم بْن خَلاد، قَالَ: قَالَ الْأَصْمَعِي: دخلت عَلَى جَعْفَر بْن يَحْيَى بْن خَالِد يَوْمًا من الأيَّام، فَقَالَ: يَا أصْمَعيُّ! هَلْ لَك من زَوْجَة؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فجارية؟ قُلْتُ: جاريةٌ للمِهْنة، قَالَ: فَهَل لَك أَن أهبَ لَك جَارِيَة نظيفة؟ قُلْتُ: إِنِّي لمحتاجٌ إِلَى ذَلِكَ.
فَأمر بِإِخْرَاج جاريةٍ إِلَى مَجْلِسه، فخرجتُ جاريةٌ فِي غَايَة الْحَسَن وَالْجمال والهيئة والظَّرْف، فَقَالَ لَهَا: قَدْ وهبتُكِ لهَذَا، وقَالَ: يَا أصْمَعِيُّ! خُذْها. فشكرتُهُ. فَبَكَتْ الجاريةُ وَقَالَت: يَا سيِّدي! تدفَعُني إِلَى هَذَا الشَّيْخ مَعَ مَا أرى من سَمَاجته وقُبْح منظره؟ وجَزِعَت جزعًا شَدِيدا.
فَقَالَ: يَا أَصْمَعيُّ! هَلْ لَك أَن أعَوِّضَك مِنْهَا ألف دِينَار؟ قُلْتُ: مَا أكرهُ ذَلِكَ، فَأمر لي بِأَلف دِينَار، وَدخلت الجاريةُ، فَقَالَ: يَا أصمعيُّ! إِنِّي أنكرتُ عَلَى هَذِهِ الْجَارِيَة أمرا فأردتُ عقوبتها بك ثُمّ رحمتُها مِنْك. قُلْتُ: أَيهَا الْأَمِير! فألا أعلمتَني قبل ذَلِكَ فإنِّي لَمْ آتِك حَتَّى سَرَّحْتُ لِحْيتي وأصلحتُ عِمَّتِي، وَلَو عرفتُ الْخَبَر لصِرْت إِلَيْك عَلَى هيئةِ خِلْقَتِي، فواللَّه لَو رأتْني كَذَلِك لما عاودت شَيْئا تنكره أبدا مَا بقيت.
الْمَرْء فِي رُتْبَة السّلطان
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن القَاسِم الأنبَاريّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عُبَيْد، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمَدَائِنِي، قَالَ: زَعَمُوا أَن رجلا من بني كنَانَة أَتَى نَصْرَ بْن سَيَّار وَهُوَ عَلَى خُرَاسَان، وَكَانَ لَهُ صديقا فَوَجَدَهُ قد غير عَنِ الْعَهْد، فَلَمَّا رَأَى الْإِعْرَاض قَالَ:
قُلْ لنصرٍ والمرءُ فِي رُتْبَة السل ... طان أعْمَى مَا دَامَ يُدْعى أميرَا
فَإِذا زَالَت الإِمارةُ عنهُ ... واستوى والرجالٌ عادَ بَصيرَا
فَبَلغهُ، فَقَالَ: أقسمتُ عَلَيْك إِلا أنْشَدْتني الْبَيْتَيْنِ، فأنشده فَقَالَ: صدقت لَعَمْرو اللَّه، وأثبَته فِي صحابته، وَأحسن جائزته، وَجعله فِي سُمَّاره.
تَأْكِيد الضَّمِير الْمَرْفُوع الْمُتَّصِل - الْمَفْعُول مَعَه
قَالَ القَاضِي: هَكَذَا فِي كتابي: واستوى وَالرِّجَال بِالْوَاو، وَرفع الرِّجَال عطفا عَلَى الضَّمِير الَّذِي فِي اسْتَوَى، والفصيح من كَلَام الْعَرَب فِي مثل هَذَا أَن يُؤكِّدُوه ثُمّ يَعْطِفُوا عَلَيْه فيقولوا: فاسْتوى هُوَ والرِّجال، وَقَدْ جَاءَ فِي الشّعْر غيرُ مؤكَّد، قَالَ جرير:
ورَجَا الأُخَيْطِلُ من سفاهةِ رَأْيِهِ ... مَا لَمْ يكنْ وأبٌ لَهُ لِينَالا
والبصريُّون من النَّحْوِيين يستقبحون ترك التوكيد فِيهِ، وَالْأَمر فِيهِ عِنْد الْكُوفِيّين أيسرُ، عَلَى أَنهم يختارون التوكيد ويُؤْثرونه، وَقَدْ أنْشد الفَرَّاء: