يُناجي لَهُ نفسا ترِيعُ بهمةٍ ... إِلَى كل معروفٍ وَقَلْبًا مطهّرا
ويخشعُ إكبارًا لَهُ كلُّ ناظرٍ ... ويأبى لِخوفِ الله أَن يتكبّرا
طَوِيل نجاد السَّيْف مضطمر الحبشا ... طواهُ طرادُ الْخَيل حَتَّى تحسَّرا
رفلٌ إِذا مَا السّلم رفَّل ذيله ... وإنْ شمَّرت يَوْمًا لَهُ الحربُ شَمّرا
فَقَالَ للفضل: مَا بعد هَذَا مدح، وَمَا أَشْبَهَ فروعَ الإحسانِ بأصوله.
الْمجْلس الخامِس والتسعُون
مِنْ حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْفَرَجِ الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا الْجَرِيرِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْن مُحَمَّد بْن اللَّيْثُ أَبُو نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبُو الْحُسَيْنِ صَعْصَعَةُ بْنُ الْحُسَيْنِ الرَّقِّيُّ الأَنْصَارِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَنْبَسَةَ بْنِ حَمَّادٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارِ عَنْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَمَّا عُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ بَكَتِ الأَرْضُ مِنْ بَعْدِي فَنَبَتَ اللَّصف مِنْ مَائِهَا، فَلَمَّا أَنْ رَجَعْتُ قُطِرَ مِنْ عَرَقِي عَلَى الأَرْضِ فَنَبَتَ وردٌ أَحْمَرُ، أَلا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَشُمَّ رَائِحَتِي فليشمَّ الْوَرْدَ الأَحْمَرَ ".
قَالَ الْقَاضِي: اللَّصَفُ: الْكَبَرُ وَمَا أَتَى بِهِ فِي هَذَا الْخَبَرِ هُوَ الْيَسِيرُ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّا أَكْرَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودلَّ عَلَى فَضْلِهِ وَرَفِيعِ مَنْزِلَتِهِ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ أهلٌ لكلِّ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِهِ عَلَيْهِ، وَأَسْدَى لَهُ مِنْ شَرِيفِ الْكَرَامَةِ إِلَيْهِ، وَمَا لَهُ عِنْدَهُ فِي مَعَادِهِ وَدَارِ كَرَامَتِهِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يعبِّر عَنْهُ الْخَلْقُ بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَأَجْسَمُ مَنْ أَنْ يَخْطُرَ بِقُلُوبِهِمْ، فَهَنِيئًا لَهُ مَا أَوْلاهُ اللَّهُ مِنْ إِنْعَامَهِ وَشَرِيفِ إِكْرَامِهِ، وَجَعَلَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِمَّنْ يَلْقَاهُ فِي مَعَادِهِ، مُؤَدِّيًا مَا أَلْزَمَهُ مِنْ حقِّ شَرِيعَته، وأنالنا النُّورُ وَالْكَرَامَةُ وَالسَّعَادَةُ بِشَفَاعَتِهِ، إِنَّهُ أَكْرَمُ الأَكْرَمِينَ وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. وَقَدْ رُوِّينَا مَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ الَّذِي رسمناه هَاهُنَا مِنْ طُرُقٍ حَضَرَنَا مِنْهَا هَذَا فَأَتَيْنَا بِهِ.
الغلامُ الرَّاعِي والجنيون الثَّلَاثَة
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن الْحَسَن بن دُرَيْد قَالَ، حَدَّثَنَا عمي قَالَ، حَدَّثَنِي أبي عَن ابْن الْكَلْبِيّ قَالَ: خرج غلامٌ من مَذْحجِ، أحسبُه قَالَ: من صُدَا يرْعَى غنيماتٍ لَهُ، فَأَدْرَكته السَّمَاء فأوى إِلَى كهفٍ فأكنَّ غنمه واقتدح نَارا واحتلبَ لَبَنًا فوغره، فَإِذا ثلاثةُ نفر قد ولجوا عَلَيْهِ الغارَ فحيَّوه فردَّ تحيّتهم وَقَالَ: هلمّوا، وقرَّب إِلَيْهِم غُمَرَه بِما فِيهِ، فَأَخذه أحدهم فشمَّه ثمَّ ردّه ثُمَّ أنشا يَقُول:
يَا راعي الضأنِ اغتنثْ من مضحكا ... روى لَك الله قفيلَ نحضكا
يُقَال: اغتنث من الْإِنَاء شربةً أَو شربتين إِذا جرعت. يُقال: جرعَ ولعق يلعق،