وَلَيْسَ فَتَى الْفِتْيان من رَاحَ واغْتَدَى ... لِشُرْب صبوحٍ أَوْ لشُرْب غَبْوقِ
ولكنْ فَتى الفتيان من رَاح واغْتَدَى ... لِضَرِّ عَدُوٍّ أَوْ لِنَفْعِ صديق
أَسمَاء أَوْقَات الشَّرَاب
قَالَ القَاضِي: شُرب الغَدَاةِ يُقال لَهُ فِي كَلَام الْعَرَب: صَبْوح، ويُقَالُ لشرب نصف النَّهَار: القَيْل، ولِشُرْب العَشِيِّ: الغَبُوق، ولشرب اللَّيْل: الفَحْمة، ولشُرب السَّحَر: الجاشِريَّة.
وَقَول أَبِي نواس: وَأَن بعض أعضائي اختلج مني، أَيّ اقْتُطِع، وَمِنْه سمي المقْتَطَعُ من الْبَحْر إِلَى الْوَادي خليجًا، كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
ومُدْرِك أمرٍ كانَ يَأْمُلُ دُونَهُ ... ومختلجٍ من دُونِ مَا كانَ يَأْمُلُ
المجلِسُ الخامِسُ والثَلاثون
طَائِر أَبيض يُرْسل قبل الضَّيْف
حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْفَضْلِ، أَبُو حُمَيْدٍ الْمَكِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الطَّبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرَةُ بْنُ أَشْرَسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَلاءُ أَبُو مُحَمَّدٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ ضَيْفًا إِلَى أَهْلِهِ بَعَثَ طَائِرًا أَبْيَضَ يُسَمَّى ضَيْفًا قَبْلَ ذَلِكَ بِأَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَيَجِيءُ الطَّائِرُ فَيَقُومُ عَلَى عَتَبَةِ بَابِهِ، وَعِظَمُ ذَلِكَ الطَّائِرِ مَسِيرَةُ سَبْعِينَ عَامًا، قَالَ: فَيُنَادِي: يَا أَهْلَ الدَّارِ! وَلَيْسَ يُجِيبُهُ أَحَدٌ، فَيَسْكُتُ عَنْهُمْ سَاعَةً؟ ثُمَّ يُنَادِي الثَّانِيَةَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ، وَيَسْمَعُ صَوْتَهُ جَمِيعُ أَهْلِ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَالأَرْضِ السَّابِعَةِ مَا خَلا الثَّقَلَيْنِ، فَيُجِيبُهُ جِبْرِيلُ مِنْ فَوْقِ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ مِنْ تَحْتِ عَرْشِ الْجَبَّارِ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ رَبِّ الْعَالَمِينَ، مَا حَاجَتُكَ إِلَى أَهْلِ هَذِهِ الدَّارِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي رَسُولا إِلَى أَهْلِهَا وَهُوَ يَقْرَأُ عَلَيْهِمُ السَّلامَ، وَيَقُولُ إِنَّ فُلانًا يَأْتِيكُمْ ضَيْفًا إِلَى أَرْبَعِينَ صَبَاحًا وَهَذِهِ بَرَكَتُهُ وَرِزْقُهُ مِنَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ جِبْرِيلُ: نَاوِلْنِيهِ لأَقْبِضَهُ، فَيُنَاوِلْهُ جِبْرِيلَ، فَيَقُولُ: مَا هَذِهِ الرُّقْعَةُ فِي مِنْقَارِكَ؟ فَيَقُولُ: إِنَّهَا بَرَاءَةٌ لَهُمْ مِنَ النَّارِ، فَيَقُولُ جِبْرِيلُ، نَاوِلْنِيهَا فَيُنَاوِلُهُ فَيَقْرَؤُهَا وَيَتَعَجَّبُ جِبْرِيلُ مِنْ ذَلِكَ، فَيَقُولُ الطَّائِرُ: أَتَعْجَبُ مِنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ الطَّائِرُ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنِي أَنْ أُحْصِيَ عَلَيْهِمْ حَسَنَاتِهِمْ وَلا أُحْصِي عَلَيْهِمْ سَيِّئَاتِهِمْ مَا دَامَ الضَّيْفُ فِيهِمْ، فَإِذَا خَرَجَ مَنْ عِنْدِهِمْ خَرَجَ بِذُنُوبِ صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ وَرِجَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ، وَإِمَائِهِمْ وَعَبِيدِهِمْ، وَحَيِّهِمْ وَمَيِّتِهِمْ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الضَّيْفُ ضَيْفًا بِذَلِكَ الطَّائِرِ.
قَالَ القَاضِي: فِي هَذَا الْخَبَر ترغيب فِي إِضَافَة الضَّيْف وَقَضَاء حق ضيافته، وَدلَالَة عَلَى وجوب حَقه ورفعة منزلَة مُضِيفه، وَلَم تزل الْأُمَم عَلَى اخْتِلاف أديانها وآرائها، وأخلاقها وعاداتها، تستحسن الضِّيَافَة وترغبُ فِيهَا وتتواصى بهَا، وتتحاض عَلَيْهَا، وتتعاير بالرغبة عَنْهَا، والتفريط فِي الْمُسَابقَة إِلَيْهَا، وللعرب من الخصُوصية فِي هَذَا، والحفوف فِيهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute