للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَعْرَابِيًا يَقُولُ: فَوْتُ الْحَاجة خيرٌ من طلبَهَا من غَيْر أَهلهَا، قَالَ الْأَصْمَعِي: وَسمعت آخر يَقُولُ: حمْلُ الْمِنَن أثقلُ من الصَّبْر عَلَى العَدَم.

قَالَ: وَسمعت آخر يَقُولُ: النزاهة أشرف من سرُور الْفَائِدَة، قَالَ: وَبَلغنِي أنَّ ابْن عَبَّاس يَقُولُ: كَمَا يتُوخى بالوديعة أَهْلَ الثِّقَة وَالْأَمَانَة فَكَذَلِك يَنْبَغِي أَن يتوخى بِالْمَعْرُوفِ أَهْلَ الْوَفَاء وَالشُّكْر.

قَالَ القَاضِي أَبُو الفَرَج: فِي هَذَا الْمَعْنى وَمَا يضاهيه وَمَا يُخَالِفهُ أَخْبَار وَكَلَام لَعَلَّنَا نأتي بِهِ فِيمَا يسْتَقْبل من كتَابنَا هَذِه إِن شَاءَ اللَّه.

وأنشدنا ابْن دُرَيْد، قَالَ أنشدنا أَبُو حَاتِم

رَأَيْتُ الدهرَ بالأحرارِ يَكْبُو ... وَيرفعُ رَايَةَ القَوْمِ اللِّئامِ

كأنَّ الدهرَ موتورٌ حقودٌ ... فيطلبُ وِتْرَه عِنْدَ الْكِرَامِ

قَالَ: وأنشدنا أَبُو حَاتِم أَيْضا:

أَظنُّ الدَّهْر أَقْسَمَ ثُمَّ برَّا ... بِأَن لَا يكْسِبَ الأمْوَالَ حرَّا

لَقَدْ قَعَد الزَّمانُ بكلِّ حرٍّ ... وَنَقّض من قواه مَا استمرا

الْمجْلس الثَّالِث

هَذَا فِي سَبِيل اللَّه

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ إِمْلاءً فِي يَوْمِ الأَحَدِ لِسِتٍّ بَقِينَ مِنْ شعْبَان سنة سِتّ عشرَة وثلثمائة، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ الرَّبِيعِ الزِّيَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ، قَالَ: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا، فَقَالَ: " هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا يَمِينًا وَشِمَالا ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ " ثُمَّ قَرَأَ " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بكم عَن سَبيله ".

قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَرَجِ: وَهذا القَوْل من النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتمثيل من أبين الْأَقْوَال البليغة وأفصحها، وأرصن الْأَمْثَال البليغة المضروبة الصَّحِيحَة وأوضحها، وَذَلِكَ أَنه خطّ خَطًّا جعله مثل الصِّرَاط فِي استقامته إِذْ لَا زيغ فِيه وَلَا ميل، ثُمَّ خطّ خُطُوطًا يمنة وشأمة آخذة فِي غَيْر سَمْته وجهته، تفرَّق بِمن سلكها واتبعها عَنِ السَّبِيل الَّتِي هِيَ سَبِيل الْهدى، والنجاة من مُرْديات الْهوى، وَبِهَذَا جَاءَ وحيُ الله وتنزيله فِي كِتَابه الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه، قَالَ: جَلَّ ذكره: " شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ " فدلّ هَذَا عَلَى مثل مَا دلّت عَلَيْهِ الْآيَة الَّتِي تَلَاهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَبَر الَّذِي روينَاهُ فَقَالَ تَعَالَى: " إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْء " وَقَالَ: " فتقطعوا

<<  <   >  >>