للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالَ: لَا، وَالله الَّذِي أسأله أَن يُصلحك، غَيْر أَنَّهُ قَالَ لي مرّة قولا ظننتُ أَنَّهُ قَدْ خضع لبَعض الْأَمر فأنشأت أَقُول:

وَذي حَاجَة قُلْنَا لَا تَبُحْ بهَا ... فَلَيْسَ إِلَيْهَا مَا حييتَ سبيلُ

لَنَا صاحبٌ لَا نبتغي أَن نخونه ... وأنتَ لأخرى صاحبٌ وخليلُ

فَلا وَالله الَّذِي أسأله أَن يصلحك مَا رأيتُ مِنْهُ شَيْئا قد فرّق الموتُ بيني وَبَينه، قَالَ: ثُمَّ مَه، قَالَتْ: ثُمَّ إِنَّه لَمْ يلبث أَن خَرَجَ فِي غزاةٍ لَهُ فأوصى ابْن عَمه: إِذَا أتيت الْحَاضِر من بني عبَادَة فَنَادِ بِأَعْلَى صَوْتك:

عَفا اللَّه عَنْهَا هَلْ أبيتَن لَيْلَة ... من الدَّهْر لَا يسري إليَّ خَيَالُها

فَخرج وَأَنا أَقُول:

وَعنهُ عَفا رَبِّي وَأحسن حالهُ ... فغز عَلَيْنَا حَاجَة لَا ينالُها

قَالَ: ثُمَّ مَه، قَالَتْ: ثُمَّ لَمْ يلبث أَن مَاتَ فَأتى نعيه، قَالَ: فأنشدينا بَعْض مراثيك فِيهِ، فَأَنْشَدته:

كَأَن فَتى الفتيان توبةَ لَمْ يُنِخ ... قَلَائِص يفحصن الْحَصَى بالكَرَاكرِ

لِيَبْك العذارى من خفاجة نسوةٌ ... بماءِ شئونِ العَبْرة الْمُتَحادِرِ

فَلَمّا فرغتْ من القصيدة، قَالَ مُحصن الفقعسي، وَكَانَ من جُلساء الحَجَّاج: من الَّذِي يَقُولُ هَذِهِ هَذَا فِيهِ، فواللَّه إِنِّي لأظنها كَاذِبَة، فَنَظَرت إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَتْ: وَالله أَيهَا الْأَمِير إِن هَذَا الْقَائِل لي لَوْ رَأَى تَوْبَة لسَرَّه أَلا يكونَ فِي دَاره عذراء وَهِي حَامِل مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ الحَجَّاج: هَذَا وَأَبِيك الْجَواب، وَقد كنت عَنْهُ غَنِيا، ثُمَّ قَالَ لَهَا: سَلِي يَا ليلى تُعْطَيْ، قَالَتْ: أعْط فمثلك أعْطى فَأحْسن، قَالَ: لَك عشرُون قَالَتْ زِدْ فمثلك زَاده فأجمل، قَالَ: لَك أَرْبَعُونَ، قَالَتْ: زد فمثلك زَاد فأفضل، قَالَ: لَك سِتُّونَ قَالَتْ: زد فمثلك زَاد فأكمل، قَالَ: لَك ثَمَانُون، قَالَتْ: زد فمثلك زَاد فتممّ، قَالَ: لَك مائَة، واعلمي يَا ليلى أَنَّهَا غنم، قَالَتْ: مُعَاذِ اللَّه أَيهَا الْأَمِير، أَنْت أجودُ جُودًا وأمجد مجدًا وأورى زِنْدًا من أَن تجعلها غنما، قَالَ: فَمَا هِيَ وَيحك يَا ليلى؟ قَالَتْ: مائَة نَاقَة برعاتها، فَأمر لَهَا بهَا، ثُمَّ قَالَ: لَك حَاجَة بعْدهَا، قَالَتْ: تدفع إليَّ النابغةَ الجَعْدي فِي قَيْد، قَالَ: قَدْ فعلتُ، وَقد كَانَتْ تهجوه ويهجوها، فَبلغ النَّابِغَة ذَلِكَ فَخرج هَارِبا عائذًا بِعَبْد الْملك بْن مَرْوَان فاتبعته فهرب إِلَى قُتَيْبَةَ بْن مُسْلِم بخراسان فاتّبَعَتْه عَلَى الْبَرِيد بِكِتَاب الحَجَّاج إِلَى قُتَيْبَةَ، فَمَاتَتْ بقُومِس وَيُقَال بحلوان.

ذَكَرَ السَّبَب فِي وفاتها

وَقد ذَكَرَ فِي وفاتها أمرٌ عَجِيب يُخَالف مَا فِيهِ هَذِهِ الرِّوَايَة، وَأَنا بعون اللَّه ذَاكر مَا حضرني مِنْهُ ومتبعه الْبَيَان عَمَّا يشكل من غَرِيب هَذَا الْخَبَر إِن شَاءَ اللَّه.

<<  <   >  >>