للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرُّخْصَة عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَن الْأَئِمَّة بعده من الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم وحظر مَا فِيهِ تَرْجِيع وتمطيط، وَإِن ذَلِك مَنْهِيّ عَنْهُ فِي تِلَاوَة الْقُرْآن وَغَيرهَا، وَذكرنَا مَا أَمر بِهِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الضَّرْب فِي النِّكَاح بالدف، وَأَنه قَالَ: أعْلنُوا النِّكَاح واضربوا عَلَيْهِ بالدف. وَرخّص فِي هَذَا فِي عرسات الْمُسلمين ومواطن مسارهم، وَأَنه فِي النِّكَاح سنة لَا يَنْبَغِي تَركهَا. وَقَوله: أشيدوا بِالنِّكَاحِ مَعْنَاهُ أظهروه وأعلنوه. وَقد ذهب مَالك فِي من وَافقه من أهل الْمَدِينَة إِلَى أَن نِكَاح السِّرّ بَاطِل؛ وحضرني بعد إثباتي هَذَا الْخَبَر خبر إِسْمَاعِيل بْن جَامع مَعَ الرشيد فرايت أَن أرسمه هَاهُنَا إِذْ هُوَ مِمَّا يستحسنه ويصغي إِلَى استماعه ذَوُو الْفضل من الأدباء، وينشك للوقوف عَلَيْهِ أولو الحجى من الرؤساء.

خبر ابْن جَامع فِي مجْلِس الرشيد

حَدثنَا أَبُو النَّضر الْعقيلِيّ قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن نعيم الْكَاتِب، قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن ضوء التَّيْمِيّ قَالَ مسعت إِسْمَاعِيل بْن جَامع السَّهْمِي يَقُول: ضمني الدَّهْر ضمًا شَدِيدا بِمَكَّة، فانتقلت مِنْهَا بعيالي إِلَى الْمَدِينَة، فَأَصْبَحت يَوْمًا لَا أملك إِلَّا ثَلَاثَة دَرَاهِم، فَخرجت وَهِي فِي كمي، فَإِذا بجاريةٍ حميراء على رقبَتهَا جرة تُرِيدُ الركي، تمشي بَين يَدي وتترنم بصوتٍ شجيٍ تَقول فِيهِ:

شَكَوْنَا إِلَى أحبانبا طول ليلنا ... فَقَالُوا لنا مَا أقصر اللَّيْل عندنَا

وَذَلِكَ أَن النّوم يغشى عيونهم ... سرَاعًا وَمَا يغشى لنا النّوم أعينا

إِذْ مَا دنا اللَّيْل المضر بِذِي الْهوى ... جزعنا وهم يستبشرون إِذا دنا

فَلَو أَنهم كَانُوا يلاقون مثل مَا ... نلاقي لكانوا فِي الْمضَاجِع مثلنَا

فو الله مَا دَار لي مِنْهُ حرف وَاحِد فَقلت لَهَا: يَا جَارِيَة مَا أَدْرِي أوجهك أحسن أم صَوْتك أم جرمك، فَإِن شِئْت أعدتيه عَليّ، فَقَالَت: حبا وكرامة، ثُمَّ أسندت ظهرهَا إِلَى جدارٍ كَانَ بِالْقربِ مِنْهَا وَرفعت إِحْدَى رِجْلَيْهَا فَوَضَعتهَا على ركبتها وحطت الجرة فَوَضَعتهَا على سَاقهَا واندفتعت تغني بِأَحْسَن صَوت، فو الله مَا دَار لي مِنْهُ حرف وَاحِد، فَقلت لَهَا: لقد أَحْسَنت وتفضلت فَلَو شِئْت أعذتيه مرّة أُخْرَى، فقطبت وكلحت وَقَالَت: مَا أعجب هَذَا، أحدكُم يَجِيء إِلَى الْجَارِيَة عَلَيْهَا ضريبة فَيَقُول لَهَا: أعيدي مرّة بعد أخرىن فَضربت يَدي إِلَى الثَّلَاثَة الدَّرَاهِم فدفعتها إِلَيْهَا وَقلت لَهَا: أقيمي بِهَذَا وَجهك الْيَوْم إِلَى أَن نَلْتَقِي، فأخذتهاشبه المتكرهة ثُمّ قَالَت: الْآن تُرِيدُ أَن تَأْخُذ عني صَوتا أحسبك تَأْخُذ عَلَيْهِ ألف دينارٍ، وَألف دينارٍ وَألف دينارٍ، ث٣م انبعثت تغني وأعملت فكري فِي غنائها فدار لي الصَّوْت وفهمته، وانصرفت بِهِ مَسْرُورا إِلَى منزلي المكاري على بَاب المحول، فَدخلت لَا أَدْرِي أَيْن أتوجه وَلَا من أقصد، وانْتهى بِي النَّاس إِلَى الجسر، فعبرت فِي من عبر حَتَّى انْتَهوا بِي إِلَى شَارِع الميدان عِنْد دَار الْفضل بْن الرّبيع، فَرَأَيْت هُنَاكَ

<<  <   >  >>